كتابات وآراء


الأحد - 24 مايو 2020 - الساعة 04:33 ص

كُتب بواسطة : ا.د عبدالودود مقشر - ارشيف الكاتب



انتقل الى رحمة الله شيخ تهامة اليمن وعلامتها ومحدثها ومسندها الامام الشيخ المجتهد المجاهد محمد بن علي بن بن يحيى بن سالم مرعي في ليلتنا هذه مغرب يوم السبت ليلة عيد الفطر الاول من شوال 1441هـ الموافق 23 مايو 2020م، والعلامة محمد بن علي المرعي من مواليد مدينة الحديدة بحارة الصبالية – الحوك سنة 1365هـ / 1946م، نشأ يتيماً وتكفلت به أمه فربته ونشأته على طلب العلم وحبه وحب مجالسة العلماء وتتبع آثارهم، كانت همّة أمه وطلبها الاكل الحلال لولدها من عمل يديها وتحريها أن يكون ذلك لولدها حافزاً، فنبغ على اقرانه وبرز في المعلامة ثم التحق بحلقة الشيخ العلامة علي مكرم تـ(1383هـ) وقرأ القران على يديه ومبادئ العلوم بجامع النبات ثم تابع مجالس العلماء فدرس على يد الشيخ العلامة محمد بن علي مكرم الطسي تـ(1401هـ) واستمر طلبه لهذا العلم وسهره عليه ثم أدخلته المدرسة السيفية – نسبة الى سيف الاسلام عبدالله بن الامام يحيى رحمهم الله والذي اسسها عندما كان وزيراً للمعارف في منتصف الثلاثينات، فجمع ما بين العلم في المدارس الحديثة ومبارز العلم بمنازل العلماء وحلقاتهم في مساجد الحديدة، قدمت به أمه ليدرس المدرسة السيفية فتفحصه العلامة محمد الخلوصي البغدادي - وهو ممن فضل الحديدة والعيش بها بعد خروج العثمانيين من اليمن 1919م – وسأله وأعجب به وبفصاحة لسانه، وممن درسه في المدرسة السيفية استاذ الاجيال العزي مصوعي والأستاذ أحمد جابر عفيف أحد رواد اليمن وأركانها والاستاذ محمود أحمد الكثري والفقيه الشيخ عايش بن حسن المدني والاستاذ المربي صغير سليمان عايش حكمي والاستاذ الكبير احمد لقمان والأستاذ المشهور حشابرة وكانجوني وثلة من المدرسين المصريين والسوريين، واستمر يدرس بهه المدرسة حتى تخرجه بالثانوية ومع ذلك لم تفتر همته عن العلم وطلبه، لقد صنعت الآلام منه إنساناً عظيماً بحق، فلم يلتفت للوظيفة والصراعات السياسية وأكل من عمل يديه بعمله في صناعة المقاطب (المعاوز) واستمر في ذلك الى فترة من حياته وهكذا هو دأب علماء أمتنا... وفضل الرحلات العلمية لطلب العلم فرحل الى ميدي من تهامة اليمن ودرس على يدي العلامة إبراهيم بن موسى الشنقيطي العلوم الشرعية فترة من الزمن وكان هذا العالم من موريتانيا من شنقيط، ومن ميدي اتجه الى تعز حيث درس على يدّي العلامة إبراهيم بن عمر بن عقيل تـ(1415هـ) مفتي تعز، ثم عاد الى مدينة الحديدة ودرس مرة أخرى على الشيخ عبدالقادر مكرم تـ(1403هـ) ورحل مرات عديدة لطلب العلم في الدريهمي على يدي المفتي العلامة الشهير يحيى بن عمر الضرير الاهدل تـ(1394هـ) ورحل للمراوعة للدراسة بها على يدي علماء منهم العلامة الحافظ محمد حسن هند الاهدل (1392هـ) ولعلامة منصب المراوعة حسن بن أحمد الأهدل تـ(1419هـ) والعلامة محمد إبراهيم الأهدل وغير هؤلاء كثر.
عاد الى مدينة الحديدة وحط رحاله في مسجده الذي عرف به في الحوك يعلم ويدرس، وفي عهد الرئيس الشهيد محمد إبراهيم الحمدي رحمه الله نزل الى الحديدة نائبه لشئون مجلس القضاء الاعلى القاضي الشهيد العلامة عبدالله بن أحمد الحجري وكان بمثابة الاب الروحي والمرشد للرئيس الحمدي، وقابل العلماء وتقدم العلامة محمد بن علي المرعي والشيخ محمد علي مكرم والعلامة عبدالقادر مكرم بما تعلموه ودرسوه ووقف على ذلك ومعه وفد من مجلس القضاء الاعلى وتمت مجالسة علمية وفقهية بينهم منح ثلاثتهم ومنهم شيخنا العلامة محمد بن علي المرعي شهادة الليسانس في العلوم الشرعية معادلة لذلك، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية الحمدي بتعيينهم الثلاثة في اللجنة الاستشارية القضائية لمتابعة المتظلمين بمحافظة الحديدة فقبل العلامة المرعي لك على مضض منه، وبعد ذلك تعينوا أعضاء في المحكمة الاستئنافية بالمحافظة برئاسة القاضي العلامة محمد قاسم الوجيه.
ثم تولى القضاء في محكمة باجل ثم محكمة الجراحي ثم محكمة المنصورية والأخيرة كانت الاخيرة حيث رفض تولي القضاء، فقد كان صادعاً بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، كان شديداً متحرياً للحق، ووقعت له حوادث مع قضاة السلطة، عاد بعدها العلامة محمد بن علي المرعي ليدرس بمسجده فعينه القاضي أحمد الشامي للفتوى الشرعية مع لجنة من العلماء بالمحافظة ثم رئيساً لفرع جمعية العلماء بمحافظة الحديدة واخيراً رئيس لجنة الاهلة.
واتجه الى تعاطي الاعمال الخيرية والوقوف مع ابناء مدينته وابناء تهامة بشكل عام؛ فأسس جمعية خيرية وأقام مشاريع عديدة ومنها مشاريع مياه ومدارس ومساجد وقدّم مساعدات مادية لأيتام كيف لا ..؟ وهو أبو الايتام وشعر باليتم في طفولته، وقدّم مساعدات للأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، وقدّم العلاجات المجانية للأسر الفقيرة بل سعى الى تسفيرها الى صنعاء أو الخارج، ثقة التجار ورأسمال الوطني في الحديدة واليمن كانت به بلا حدود، وعندما كثر طلاب العلم من كل حدب وصوب في مسجده أسس مبنى في الحي التجاري كان النواة لتأسيس دار العلوم الشرعية وكان بالمبنى سكن لطلاب فقدم طلاب العلم من كل اليمن وبدأ التوافد من دول متعددة وبدأت تتخرج دفعات كل ذلك وحرب شعواء تشن عليه لا تقر ولا تهدأ من قبل الجماعات المتطرفة التي كانت في عز قوتها وتهاجمه ايضاً من خارج اليمن، سألته كيف صبرت وهم في الحكم والسلطة متحالفة معهم...؟ قال لي كان يقف معنا الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح بكل قوته...الخ، تم منحه في موطنه الحديدة قطعة أرض فاتجه لتأسيس جامعة دار العلوم الشرعية وكم تحمل وتعب من أجل تأسيسها.. فقد كانت المضايقات متعددة، فقد بدأت بالمناهج الدراسية وتشكلت لجنة من جامعة صنعاء وعلماء من النقض والإبرام ومن المحكمة العليا ومن مشائخ العلم منهم شيخنا العلامة محمد بن اسماعيل العمراني والعلامة محمد بن قاسم بن عمر والعلام أسد حمزة والقاضي عبدالله الوظاف وغيرهم واعتمدوا ان المنهج الدراسي بالجامعة والمستويات التعليمية يعادل جامعة صنعاء وان خريج هذه الجامعة يساوي خريج جامعة صنعاء، وحرر وزير التعليم العالي والبحث العلمي مكرة الى رئاسة جامعة الازهر الشريف، فرحل الشيخ محمد بن علي المرعي الى مصر ليضمن أن تكون مشابهة للمناهج وشهادات الازهر الشريف اعرق جامعة اسلامية في تاريخنا العربي الاسلامي، والتقى بكبار العلماء والشيخ الأكبر وتوافد عليه طلاب الازهر مستجيزين منه فأجازهم، ورجع بعد أن تمت من رئاسة الازهر دراسة المنهج واعتماده ووجد الدعم المعنوي اللامحدود من الأزهر الشريف، وفتحت الجامعة فأقبل طلاب العلم من كل جنسيات وقوميات العالم ليتعلموا العلم الشرعي وأرسل الازهر الشريف وفداً رفيعاً ليبارك الافتتاح، رفدت هذه الجامعة الدولة بكوادر علمية يفتخر بها، وبعضهم اصبحوا دعاة للاسلام في انحاء متفرقة من العالم ومنهم كوكبة من الاكاديميين في كثير من دول العالم الاسلامي، ونتيجة لحب الاهالي له تم اختياره في مجلس الشورى وبعد الوحدة في مجلس النواب حتى انتقاله لرحمة الله (مقشر، أ.د عبدالودود قاسم، موسوعة أعلام تهامة)