كتابات وآراء


السبت - 26 يونيو 2021 - الساعة 08:53 م

كُتب بواسطة : عبدالعزيز الشعيبي - ارشيف الكاتب



بداية لا بد من الإقرار بأن مسألة تداول العملات الورقية المطبوعة مؤخراً من الحكومة الشرعية هي كارثة وجريمة بحق الشعب كونها تخبطات واختلالات قائمة في آليات تعامل الحكومة الشرعية مع الجانب المالي والنقدي، ولذا تتعامل حكومة الحوثي في صنعاء بحرص شديد ويسعى لتثبيت سعر العملة في مناطق سيطرته للحفاظ على أسعار المواد الغذائية وله كامل الحق في ذلك لأن بنك عدن يسعى لرفع سعر الصرف في صنعاء ليتساوى مع عدن وفيه من الاضرار الكبير بالمواطنين البسطاء في صنعاء وهم الأكثر كثافة سكانية في اليمن، وكمثال بسيط للمقارنة فإن سعر الكيس الدقيق في صنعاء قيمته 14000 ريال وقيمته في عدن 28000 ريال.
ولكن في المقابل، ونتيجة لتآكل الكتلة النقدية في مناطق سيطرة الحوثيين وحدوث عجز ونقص كبير في توفير السيولة النقدية تسعى حكومتهم في صنعاء للبدء بإجراءات انتحارية لإصدار ريال إلكتروني وأصدرت تراخيص لعدد 6 شركات للنقد الإلكتروني، ما يعزز الانقسام المالي بين صنعاء وعدن، وقد تكون ردة فعل من باب المزايدة وتهدئة السوق المصرفية بعد إجراءاتهم الأخيرة في مسألة تداول العملة الورقية فئة 1000 ريال ومنها تخدير المواطنين لتحويل أموالهم إلى عملة إلكترونية وهمية.
إن مقومات استعمال أو تداول عملة إلكترونية صعب للغاية ،لاسيما في ظل الوضع الأمني القائم في بلادنا، ونقص الوعي لدى المواطنين، إلى جانب ندرة استخدام الصرافات الآلية من قبل الجهات التي تقدم خدماتها للمواطنين، وكيف يمكن لحكومة الحوثي في صنعاء أن تبادل الريال الالكتروني طالما أن البنك المركزي تحت سيطرتها غير قادر على أن يوفر عملة صعبة، لذا هناك تداعيات ومخاطر سلبية على الوضع الاقتصادي في حال تطبيقها للنقود الإلكترونية، من أبرزها الارتباك في السوق المصرفية، وارتفاع الأسعار، وخلق أسعار متفاوتة بين سعر العملة القديمة وسعر العملة الجديدة، ما يؤدي إلى نوع من المضاربة بالعملة قد تخلق فساداً ونهباً كبيرين وهو ما يبحث عنه تجار الحروب ومالكي السوق السوداء.
إن توجه الحوثيون لفرض العملة الإلكترونية يوفر مبرر لابتزاز القطاع الخاص، وممارسة مزيد من المضايقات عليه، وهذا يؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي، وقد سبق وأن اتخذت حكومة الحوثي عددا من القرارات المشابهة خلال الأعوام الماضية، إلا أنها فشلت.

أبرز الملاحظات والاختلالات والمخاطر لإصدار العملة الالكترونية:

1. إن عملية اصدار نقدي جديد من عملة الكترونية تم من جهة غير مخولة قانونياً، وسحب العملة أو الغائها لا يتم إلا من جهة مخولة قانوناً وهو البنك المركزي ومقره الرئيس بالعاصمة المؤقتة عدن كما ينص عليه قانون البنك المركزي بأن المقر الرئيس هو المخول بالسحب أو الالغاء.
2. إن اصدار عملة الكترونية هو ما تطمح إليه حكومة الحوثي لاستخدامه بديلاً عن النقد منذ منتصف العام 2016 غير أن ذلك لم يتحقق بسبب التحذيرات من مخاطر استخدامها سواء من الاقتصاديين أو الاعلاميين المهتمين بالشأن الاقتصادي، وتعتبر الطبعات الجديدة فرصة لهم للاستبدال مع احتمالية العودة إلى النقد الورقي لاحقاً إلى السوق ما سيحدث زلزال اقتصادي كبير.
3. إن اصدار نقد الكتروني دون غطاء مثله مثل النقد الورقي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وتآكل قيمتها الشرائية وبالتأكيد ستكون آثارها أكثر سلبية طالما واصدارها تم من سلطة غير شرعية.
4. على المدى البعيد فإن نسبة التضخم ستزيد، والتوجه نحو النقود الالكترونية سيوسع العرض النقدي وسيترتب عليه تضخم أكبر وأشد خطورة من العرض الناتج عن استخدام الاصدار الجديد المرفوض تداوله، وسيكون معدل دوران النقود الالكترونية أكبر من معدل دوران النقود الورقية، ومع خيار النقود الالكترونية سيصبح لدينا:

- العملة القديمة والمقدر تداولها في السوق (عرض نقدي ورقي قديم) بحدود (تريليون و400 مليار ريال) تقريبًا، وسيبقى متداول فقط تحت سلطة مركزي صنعاء مبلغ (800 مليار) نظراً للكثافة السكانية وكثرة الاستخدام، والباقي سيتم سحبها مقابل الطبعة الجديدة تحت سلطة مركزي عدن.
- العملة الجديدة المطبوعة بحسب البيانات (عرض نقدي جديد) بحدود (800 مليار ريال) تقريباً متداول تحت سلطة مركزي عدن بالإضافة إلى عرض نقدي غير مقدر.
- سيكون الإجمالي من العملة القديمة والجديدة مبلغ (2 تريليون و200 مليار ريال)، ولو فرضنا أن النقد الالكتروني تم بمبلغ (400 مليار ريال) والذي تقوم به حكومة الحوثي لتغطية شحة السيولة فسيصبح المبلغ من العملة الجديدة والقديمة (2 تريليون و600 مليار ريال) وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية مقابل العملات الأجنبية وسيرتفع سعر الصرف إلى ما يقارب الألف ريال للدولار الواحد.

5. منذ العام 2016 والذي حصل فيه أزمة سيولة وكان التجار والمواطنين لا يستطيعوا السحب من حساباتهم المصرفية سواء بالريال أو بالدولار، أصبحت مشكلة تجميد الحسابات مشكلة اقتصادية كبيرة وأنتجت مشاكل أخرى عديدة أهمها انعدام الثقة بالجهاز المصرفي وفارق سعر الصرف بين النقد والشيك من حساب قديم، وأصبح البنك المركزي عاجزاً تماماً عن معالجتها، وأقدمت كل البنوك وشركات الصرافة على تحديد المبلغ الذي باستطاعة الأفراد أن يسحبوه من حساباتهم (ما بين 40 الف إلى مائة الف ريال)، وأصبح الكثير من التجار والشركات تحتفظ بالعملة في خزنات داخل بيوتهم وعدم ايداعها في حساباتهم المصرفية وهو ما سبب أزمة سيولة كبيرة في السوق.
6. قد لا يستجيب أغلب التجار والمواطنين الموجودين في مناطق سيطرة الحوثيين لقرار التعامل بالنقد الالكتروني وسيعملون على تحويل أموالهم إلى مناطق سيطرة الشرعية ما يعني تكدس سيولة نقدية كبيرة في هذه المناطق وقد تستغل في عملية المضاربة بالعملة.
7. ما تقوم به حكومة الحوثي ليس سحب أو الغاءالأموال وإنما مصادرة للعملة بحيث تبقى دون تصرفهم وستعود إلى مناطق الشرعية عبر شراء عملات صعبة وشراء للمشتقات النفطية والغاز ما يعني أنها عملية نصب من قبلهم، وبالتالي تعتبر جريمة تكسب غير مشروع وغسل للأموال، وكذلك قد تستخدم الأموال المتحصلة من النقد الورقي لنقد الكتروني في إطالة أمد الحرب عبر تمويل جبهاتهم العسكرية.
8. هناك تعميم صادر من البنك المركزي بصنعاء غير متخذ للإجراءات القانونية لإنشاء مراكز سحب العملات الورقية من السوق، وتعتبر مراكز السحب التي ذكرها التعميم هي جهات غير حكومية وبالتالي من يمتلكها من جهات خاصة سيحصل على مبالغ مهولة، وبحسب قانون البنك المركزي بأن المخول لسحب النقود هو البنك المركزي أو أي جهة حكومية يصادق عليها البنك المركزي بعد موافقة مجلسي الوزراء والنواب.
9. تم عمل استمارة يقوم الفرد بتعبئتها عند ذهابه إلى أحد مراكز خدمات النقود الالكترونية وهذه الاستمارة تحدد المصدر الذي حصل منه الفرد على العملة الجديدة ومن ثم الاقرار بشروط ليس لها اساس من الصحة بموجب القانون، وطريقة تصميم الاستمارة تعكس استهداف الحوثيين على مستوى الأفراد وترك تجار النفط والشركات الكبيرة دون اتخاذ أي إجراء عليها ما يعكس أن الغرض الرئيس لهم هو عملية نصب واحتيال على الأفراد.

وبناء على ما سبق، ينبغي على الحكومة الشرعية العمل على ما يلي بصورة عاجلة:
- تصعيد الملف المالي والاقتصادي عبر محادثات ومفاوضات السلام القائمة حالياً والبدء بها.
- إيقاف أي طباعة جديدة للعملة المحلية ومحاولة سحب الكتلة النقدية القديمة من السوق.
- تعزيز أدوات البنك المركزي في إدارة النقد في مناطق سيطرتها لتقديم نموذجا اقتصاديا وفق أبجديات العمل الاقتصادي واقتصاد الحرب.