كتابات وآراء


الإثنين - 29 أكتوبر 2018 - الساعة 03:17 ص

كُتب بواسطة : حسن حربه - ارشيف الكاتب




تتمتع تهامة بموقع إستراتيجي تكمن أهميته بالقرب من الممر الدولي لباب المندب .
وتُعتبر بوابة اليمن لإفريقيا والعالم عبر سواحلها الممتدة من ذوباب جنوباً إلى ميدي شمالاً ...
ولديها العديد من المرتكزات الإقتصادية منها الموانئ..
وأهمها ميناء الحديدة حيث يستقبل حوالي 70% من واردات اليمن..
ويدر دخلاً عاليآ إلى خزينة الدولة من خلال الجمارك والرسوم على الواردات والصادرات..
أيضاً هناك ميناء الصليف حيث يتم من خلاله الاستيراد والتصدير وفي مقدمة تلك الصادرات الملح حيث يوجد في الصليف كبرى مناجم الملح ...

وفي الجانب الآخر هناك ميناء رأس عيسى لتصدير النفط الخام..
وهناك الكثير من الموانئ والمراسي تم تجاهلها وعدم تشغيلها وأصبحت موانئ ومراسي لصيد الأسماك كما في ميناء اللحية والخوبة وميدي والخوخة بالرغم من أهميتها التاريخية ومواقعها الإستراتيجية..
إضافةٍ إلى المنافذ البرية حيث يوجد أهم وأكبر منفذ بري مع المملكه العربية السعوديه يعمل ليل نهار في الاستيراد والتصدير وتبادل السلع بين البلدين ومن خلاله يتم دخول الكثير من السواح الخليجين وفي مقدمتهم السعودين والمغتربين ويدر للخزينه العامة ايرادات عظيمة ،،
وفي الجانب الزراعي تتمتع تهامة بأراض زراعية خصبة جعلتها الاولى في زراعة المحاصيل الزراعية والفواكه وتصديرها ..
مع وجود بيئة خصبة لتربية المواشي وتصديرها ...
و توجد في تهامة أكبر الأودية مثل وادي مور وسردود ووادي سهام وزبيد وغيرها من الأودية...

وعلى المستوى الصناعي والتجاري يوجد هناك العديد من كبرى الشركات والمعارض والمصانع بشقيها العام والخاص ..

وعلى المستوى السياحي تعتبر تهامة قبلة لكثير من السواح من الداخل والخارج وخاصة المغتربين لما تمتلكه تهامة من مزايا تتمثل في الأمان وبساطة أهلها وطيبتهم وحفاوتهم في إستقبال الضيف واكرامه...

لكن يبقى السؤال الذي تتجلى فيه الحقيقة المرة لماذا تهامة فقيرة رغم كل ماذكر أعلاه من إمكانيات وموارد !

دعونا نعود للماضي الذي هو جذور المشكلة وإمتداد للحاضر !

إبان إنتصار قوات الإماميين على آخر معاقل المقاومة التهامية في جنوب تهامة المتمثلة في قبائل الزرانيق من القرن الماضي من عام 1929 بعد مقاومة دامت سنوات ومن تلك اللحظة بدأ الإنتقام في التهاميين بسبب مقاومتهم وقد بدأ الإنتقام مبكراً في المناطق التي تم إخضاعها تحت سلطتهم مسبقاً كما في زبيد وشمال الحديده ...
وبدأ مسلسل الظلم الكبير من الفصل التعسفي والتهميش والإقصاء وإيقاف الرواتب ومطاردة وإعتقال الكثير من المعارضيين والزج بهم في السجون ...
والشرع في أخذ الرهائن من مشائخ القبائل من أجل ضمان ولائهم وعدم مقاومتهم والقبول بالواقع الجديد !
وتم إحلال كامل للوظائف والمناصب والمرافق العامة في تهامة برجال تم جلبهم من القبائل الجبلية المواليين للإماميين ...
وتمت السيطرة والإستئثار على كل مفاصل تهامة ومرتكزاتها الإقتصادية وتم العمل على إنشاء جيش من القبائل الجبلية وكانت رواتبهم ونفقاتهم يدفعها أبناء القبائل التهامية !
وعملوا على إستبعاد التهاميين من المؤسسات العسكرية والمدنية والثقة في قلة قليلة فقط وإعطائهم مناصب غير مهمة ولا حساسة بقدر ماهي رمزية ولا يستطيعون من خلالها التأثير على القرارت أو المشاركة الفعلية فيها !!

وبدأ الشروع بفرض مايسمى الخمس وزكاة الأنفس على التجار والمزارعيين والصيادين وأصحاب الحرف وأصحاب الدكاكين وعلى كل رأس تهامي
وإرسال المشرفين إلى كل بقعة من تهامة وكان آنذاك يسمون بالعاملين !!
وما أشبه اليوم بالبارحة
بعد أن دب اليأس في قلوب الكثير من القهر والظلم وقلة الحيلة..
و الكثير قد عكف عن مزاولة العمل الزراعي والتجاري وقرر الهجرة والإغتراب ..

وتوقفت عملية التنمية وشَعر الكثير من التهاميين بالمظلومية
وقرر الكثير منهم الهجرة الى دول الجوار طلب للرزق والحرية بسبب سوء المعاملة والاضطهاد والتهميش وسياسة التطفيش !

وانتشر الفقر والمرض والجهل في الأوساط التهامية !

ولم يستسلم التهاميون للواقع وكانت هناك مقاومة متقطعة لكنها محدودة وإمكانية قليلة !
إلى أن جاء دور ثورة 26 سبتمبر وشارك فيها التهاميين أملاً منهم في الخلاص واستعادة الحق المسلوب وترسيخ العدالة !
وبعد نجاح الثوره كانت المفاجأة بإنتقال الوصاية من الحكم الإمامي إلى الثوار من أبناء المركز المقدس أصحاب المركزية البغيضة ومن هم على شاكلتهم واستمر الحال بلباس ثوري جمهوري وجملوها فيما بعد بالديمقراطية والحزبية واستمر الظلم والإقصاء والتهميش في حق أبناء تهامة واستمر المركز يصُدر لنا النافذين والقبليين والعسكرين لشغل المناصب العامة في تهامة !
ونهجوا نهج أسلافهم في الإستئثار بموارد وخيرات تهامة ونهبها!
ومن خلالهم تم الإستيلاء على الكثير من الأراضي الزراعية و السكنية بالترهيب والترغيب من خلال شراء ولاءات بعض المشائخ الفاسدين وتارة بقوة المنصب والسلاح وللأسف سلاح الدولة لأنهم موظفي الدولة واستغلوا مناصبهم في السطو ونهب الحق العام والخاص !

واستمر الجهل والفقر والمرض والحرمان والإقصاء والتهميش ...
ولم تصل التنمية إلى الريف التهامي وبعض المدن...
مثل تعبيد الخطوط وإمدادهم بالكهرباء والماء وإنشاء البنى التحتية للتعليم والصحة ...

واستمر الحال وأصبحت الوظائف الإدارية العامة والمنشآت التجارية والأراضي الزراعية وإدارة الموانئ تدار من أطراف من خارج تهامة واستمرت غربة التهاميون على أرضهم ومصادرة حقهم في الوظيفة العامة والمشاركة في إدارة مواردهم !
وأصبح التهامي يعمل بالأجر اليومي ويمارس المهن الشاقة وأحيانا يصعب عليه ذلك إلا بواسطة كما في عمال الموانئ !
واستمر الحال كذلك إلى أن أعادوا تهامة إلى جلادها مرة أخرى !!
لعلك أيها التهامي تتساءل لماذا لايوجد أصحاب رؤوس أموال تهامية في الداخل ولماذا التجارة والتجار من خارج الإقليم ولماذا كبرى المخططات السكنية والمساحات الشاسعة من المزارع والأراضي الزراعية أصبحت لملاك غير تهاميين !
ولماذا لا تجد الكثير من التهاميين في الإدارت العليا في القطاعات العامة أو الخاصة ! ولماذا فقط تجدهم في أقل المستويات و يوكل إليهم الأعمال الشاقة مستغلين فقرهم وحاجتهم !

ولماذا التهاميين أغلبهم يفضل الإغتراب خارج وطنه من أجل بناء مستقبله ....

أظن الإجابه أصبحت واضحة للجميع !

وفي الأخير أختتم هذا المقال الطويل بقصيدة للشاعر/ أحمد حربة
يحكي فيها الوضع في عام 2006 واما الآن البعض أصبح مشرد في المخيمات ويحلم بعُشة !

عام ألفين وستة لم أزل أسكن عُشة
لاتسل كيف ولا أين ولا تُصغي لدهشة
قد بناها والدي منذ زمانً وهي في البُنيان هشة
وكساها بعض طينً زين السقفَ بنقشة
ومن الخارج قشً آآه ما أقدم قشة
هي للنومِ وللأكلِ وللخزنِ وتؤية وعفشة
وهي للأغنامِ مأوىً حين تُهدي السُحب رشة
مرتِ الثورةُ والوحدةُ والاعيادُ والعُشةُ عشة
أتُرى الوالي رآها حينما زين عرشه
أترى الإعلام يبديها لكي يظهر غِشة
ما بظني فهو عنها دائما يُغمِضُ رمَشة
يجرح المحرومَ بالزورَ ولا يدفع أرشه
في تهامتاً ترى للفقر في الأجسادِ نهشة
وترى للبغي باعاً وترى للظلمً ورشة
وترى شيخاً ظلوماً يجهلُ الحجاج بطشة
وترى المسؤل كم أفسد للمسكين عيشة
يأخذ القوت من الجائعِ كي يدخم كرَشة
وترى للعدلِ والإنصافِ في الأحكام وحشة
يصبح الباطلُ حقا عند من يبذلُ قِرشة
ذاك قبرُاً من قبور الحزن إن حاولت نَبشة
ذاك جُرحً في جدار الصمت لو قررت خدشة
ربي رحماك بقلباً لم يزل يربط جأشة