منوعات

الأربعاء - 11 سبتمبر 2019 - الساعة 10:04 ص بتوقيت اليمن ،،،

مفيد نجم

الشلل الذي تعاني منه اتحادات الكتاب العرب الرسمية لم يمنع الاتحادات الأهلية التي أنشأها الكتاب العرب لأنفسهم خارج الفضاء المؤسساتي الرسمي من الوقوع في المشاكل التنظيمية والانقسامات الفئوية والحزبية بين أعضائها، ما شكل فشلا في تقديم نفسها بوصفها بديلا لتلك الاتحادات، على الرغم من الغايات والأهداف المهة التي أنشئت من أجلها. لقد كان نشوء هذه الاتحادات تحولا لخلق منبر حر للكتاب والكاتبات العرب يعزز دورهم الفاعل في الحياة الثقافية والعامة، ويسهم في الدفاع عن حقوقهم من خلال خلق إطار جامع يعبر عنهم.

والغريب أن توافق الأعضاء على الإطار الجامع تنظيميا وفكريا ونهجا عند إنشائها لم يمنع من ظهور هذه التباينات في المواقف على أساس فئوي وحزبي حتى بات الحفاظ على هذا الإطار في مهب هذه الممارسات المتفاقمة. إن محاولة البعض فرض أنفسهم لقيادة العمل داخل هذه الاتحادات ساهم بصورة كبيرة في خلق نوع من العلاقات الشللية سواء على المستوى الشخصي أو الحزبي هو السبب الرئيس في خلق الانقسام والصراعات داخل هذه التنظيمات التي لا يمكن إدارة عملها إلا بروح التوافق والمشاركة الفاعلة.

لذلك فإن وجود هذه الممارسات الخاصة يجعل من الانتخابات التي تجريها هذه الاتحادات مناسبة لتفجير هذه المشاكل والصراعات بين أعضائها، ما يهدد في كل مرة وحدة هذه الاتحادات وقدرتها على التأثير والفعل في الحياة الأدبية والثقافية.

والسؤال الذي يطرحه هذا الواقع هو ما الذي يجعل الكتاب عاجزين عن تحقيق التوافق في الرؤية والموقف ويجعل الممارسة الديمقراطية داخل الاتحادات هي الأساس في عمل وتوجهات الأعضاء وسلوكهم. إن تعويم المصالح الذاتية أو الحزبية في العمل النقابي هو التهديد الأول لنجاح عمل الاتحادات إذ يجعلها عاجزة عن تقديم البديل الديمقراطي للنخب الثقافية، التي يؤمل منها أن تكون أكثر وعيا بأهمية هذه القيم في العمل الثقافي وضرورة التعبير عن الأهداف المشتركة لعموم الأعضاء، لكي تستطيع أن تكون صوتا حقيقيا لهم، يخدم مصالحهم ويدافع عن حقوقهم وحريتهم في التعبير، وهي الأهداف الأساسية التي قامت هذه الاتحادات من أجلها وليس لتكريس هذا الخط الفكري أو المصالح الشخصية أو الشللية لبعض أعضائها.

إن فشل هذه الاتحادات يقدم صورة سلبية عن الوعي الديمقراطي عن هذه الشرائح المتنورة، التي يفترض بها أن تكون أكثر التزاما بها وإدراكا لأهميتها، الأمر الذي يتطلب ممارسة نقدية للذات يخرجها من دائرة التمركز حول الذات أو الفكر الذي تحمله، كما يستدعي من هذه النخب الاعتراف بالاختلاف والرأي الآخر وحقه في التعبير عنه في إطار إغناء التجربة وخلق حوار منفتح وديمقراطي بين التيارات والأفكار المختلفة في المجتمع. إن التعويل على هذه النخب أو فشله يعكس نجاح أو غياب روح العمل الجماعي وكذلك عجزها أو قدرتها على بلورة رؤية مشتركة لهذا العمل، وسبل تحقيق أهدافه داخل الاتحاد وفي الحياة الثقافية والعامة.

تحصين الواقع الثقافي وتحريره من عوامل الضعف والانقسام يعد المقدمة الأولى لمواجهة تلك المركزية، وتكوين وعي جمعي ديمقراطي حر قادر على إعادة بناء قاعدة قيمية فكرية واجتماعية فاعلة في مواجهة حالة الاستلاب والتبعية التي أصبحت تعيشها الحياة الثقافية في ظل الواقع الراهن. لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق لماذا لا ينجح العمل الثقافي العربي؟ وما هي أسباب هذا الفشل ومعوقاته على الرغم من الحاجة الماسة إليه لتعزيز دور المنظمات الأهلية في النهوض بالثقافة ودورها التنويري في المجتمع والعمل الجماعي كشرط لهذا النهوض؟

إن دراسة هذه الظاهرة ومحاولة فهم أسبابها يجب أن تتعدى واقع المؤسسات الثقافية والنقابية الرسمية، لأن الدولة تتحكم فيها من خلال تمويلها وتحديد سياساتها..

صحيح أن تجربة العمل المؤسساتي والديمقراطي لا تزال حديثة العهد وتحتاج إلى تكريس مفاهيمها وقيمها الجديدة في الممارسة والسلوك، لكن استمرار هذا الواقع المحبط داخل اتحادات وروابط الكتاب الأهلية لا يدل على أن المسألة هي مسألة مفاهيم وممارسة وإلا لكان هذا العمل قد تطور وحقق تقدما ملحوظا، لكن ما يحدث داخل هذه المؤسسات يكشف عن عكس ذلك، وهو مؤشر سلبي فأين تكمن الأزمة إذا في كل ما يحدث؟ ومن المسؤول عنها؟ قد يرى البعض أن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى العصبية الحزبية أو المناطقية داخل هذه الروابط والاتحادات، بينما يفسرها آخرون بغياب الوعي والتفكير الجماعي عند البعض من أعضائها، وقد يذهب هذا البعض إلى طرح أسباب تتعلق ببنية الشخصية العربية ذات الطابع الفردي والمغالي في تقديره الذاتي، ما ينعكس سلبا على أي عمل جماعي ذي طابع مؤسساتي تحكمه قيم الديمقراطية التي لم نعتد عليها في حياتنا السياسية والاجتماعية.

قد تكون جميع هذه التفسيرات تصلح للإجابة عن سؤال الفشل في عمل هذه التنظيمات لكن تظل الإجابة غير كافية إذ ما الذي يجعل المنظومة الفكرية والأدبية الأكثر وعيا في المجتمع بأهمية تفشل في اختبار العمل الجماعي والديمقراطي في الوقت الذي لا تتوقف فيه عن إعلاء شأن الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني في تحقيق التقدم وتطور المجتمع. لقد حاول بعض علماء الاجتماع العرب تفسير هذه الظاهرة في ضوء النزعة الفردية والاعتداد الذاتي عند الشخصية العربية، لكن هذا التفسير ينفيه سلوك المثقف العربي في المجتمع الغربي المحكوم بقيم الحرية والديمقراطية. إذا لا بد لهذه القيم التي جاءت بها الحداثة من وسط ثقافي واجتماعي وتربوي يؤمن بهذه القيم ويحقق اندماج الفرد في منظومتها القيمية حتى يستطيع تحويل الأفكار إلى سلوك يومي في حياته الخاصة والعامة.