وكالات

الأربعاء - 09 أكتوبر 2019 - الساعة 04:54 م بتوقيت اليمن ،،،

مروان كنفاني

يدرك الشعب الفلسطيني وقياداته أن المطلب الأهم والهدف الواجب هو العمل لاختيار قيادة جديدة وشرعية تقوم بمسؤولية العمل من أجل تحقيق الأهداف الوطنية الشرعية، التي ضحّى الشعب كثيرا من أجل تحقيقها منذ أكثر من قرن من الزمن.

خلال الشهر الماضي، طرحت منظمات فلسطينية أساسية مشروع مبادرة تحمل توصيات وخطوات لتحقيق هدف المصالحة وفق الاتفاقات السابقة والفاشلة للفصائل الفلسطينية. وأطلق الرئيس محمود عباس، في احتفالات بدء دورة الأمم المتحدة، تصورا أكثر وضوحا وتركيزا، يتمثّل في المضي مباشرة نحو انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية.

تبدو فكرة الانتخابات العامة صعبة التحقيق في ظل التشرذم الفلسطيني، جغرافيا وسياسيا، والانقسامات التي ترسّخت والدماء التي سُفكت، والتحالفات التي أصبحت واقعا يصعب تجاوزه أو إصلاحه. وانعكس ذلك كله على رد فعل الشعب المتشكك في مواقف الفصائل الفلسطينية واهتمامها بإعادة شرعية اختيار القيادة له، باعتباره صاحب الولاية الوحيد في هذا الصدد.

يصعب على الشعب الفلسطيني تقبّل مبدأ المصالحة بديلا عن الانتخابات العامة، لأنه لا يقود لإعادة حقه في اختيار قيادته، لأن المصالحة تهدف إلى إعادة توزيع السلطة وتقاسم الشعب والأرض بين الفصائل والأحزاب التي لم ينتخبها أو يكلفها أو يدعمها الشعب الفلسطيني.

بالرغم من ذلك، فإن هذا الحراك الفصائلي، البديل للحراك الشعبي، قد يأخذ الشعب الفلسطيني إلى لعب دور أكبر في عملية انتخابية عامة ربما تكون الأولى منذ عام 2006. ويتحتم الاستمرار في دعم سياسة التعاون هذه للتوصل إلى صيغة يكون فيها الشعب الطرف الوحيد الذي يملك الشرعية لاختيار قيادته الجديدة.

إن التجارب التي تدور حولنا في المنطقة العربية أثبتت نجاعة التوصل إلى انتخابات عامة سلمية ونزيهة عن طريق نزع السلطة عمّن استولى عليها، وتسليمها لمجلس سيادي مستقل ومؤهل يشكّل حكومة لإدارة البلاد ويهيئ لانتخابات رئاسية وتشريعية تتولى السلطة الشرعية، لأنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة في وجود وتحكّم القوى التي انتزعت السلطة من أصحابها الشرعيين.

يعمد العديد من المسؤولين وممثلي الفصائل، وحتى المفكرين والكتّاب، إلى طرح أسئلة تعجيزية حول صعوبة أو ربما استحالة إجراء انتخابات فلسطينية في ظل الأوضاع السائدة، الفلسطينية والإقليمية والدولية، وهناك تخوفات شرعية وواقعية يجب تجنبها وتجاوزها، على أنها مشاكل يتحتم علينا التغلب عليها، وليست أسبابا يسُتند عليها لرفض مبدأ الانتخابات ووسيلة للتمسك بالوضع الراهن.

تضم الأسئلة التي تُثار في هذا الصدد، موضوع القانون الانتخابي المفروض أن يُصدر من المجلس التشريعي في كل انتخابات عامة. وليس هناك مجلس تشريعي فلسطيني شرعي؟ وهل سيتمكن سكان القدس العرب من المشاركة في الانتخابات؟ ومن هم الفلسطينيون الذين سيشاركون في الانتخاب، وأين هم؟ وهل سيشارك اللاجئون في بلاد المهجر في الانتخابات؟ وما هو دور منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية؟

يندر في التاريخ القديم والحديث أن حققت دولة استقلالها الناجز والكامل دفعة واحدة، اللهم إلا إذا استطاعت بالقوة المجرّدة أن تحقق ذلك، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الحالة الفلسطينية في وضعها الحالي، فماذا يفعل الفلسطينيون؟

هل يمكن اليوم أن يؤسسوا لوضع مستقبلي قائم على الاختيار الحر للشعب الذي يعيش على الأرض الحالية نيابة عن الشعب الفلسطيني المنتشر في كل أنحاء العالم. ويحفظ هذا المبدأ المقدّس بحقه، فيما يملكه اليوم أو ما يمكن أن يحققه بنضاله من أرض فلسطينية مستقلة في المستقبل، في اختيار ومحاسبة القيادة التي تحكمه في تداول سلمي. هل تحقيق ذلك هو إضافة تجميلية للنظام السياسي، أم ضرورة ملحّة لتطوّر النظام أو ربما وجود النظام السياسي الفلسطيني بحد ذاته؟

لا يسمح الوضع الراهن المحلي والإقليمي والدولي، للفلسطينيين في كل بلاد تواجدهم، بما في ذلك بعض المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، أن يتمتعوا بحق المشاركة في الانتخابات. كما أن الدول العربية والأجنبية المستضيفة للاجئين منذ سبعين عاما لن تسمح لبعض مقيميها بالانتخاب في دولة أخرى اسمها فلسطين. كما أنها قد تُوقف أو تخفف بعض التسهيلات والحقوق التي يستفيد منها اللاجئون على أرضها.

ولو أمكن تجاوز كل العقبات، كيف يمكن أن يترشح فلسطيني من الخارج لمنصب في المجلس التشريعي في رام الله؟ هل سوف يُسمح للفلسطينيين في الخارج بحق الانتخاب ويمنع عنهم حق الترشّح؟

نتذكر جميعا أن مثل هذه التخوفات التي انقلبت عند البعض إلى اتهامات، قد ثارت منذ عام 1993 بتوقيع الفلسطينيين اتفاق السلام مع إسرائيل. واليوم، وبعد أكثر من 26 عاما على ذلك التاريخ، هل حقيقة انقطع التواصل بين فلسطينيي ما تبقى من دولة فلسطين، وفلسطينيي عام 1948؟ هل تنازلوا عن القدس واللاجئين وحق العودة؟

أليست فلسطين هي الحلم المقدّس؟ ليست السلطة الوطنية هي الهدف النهائي، إنما هي الأمل في استرجاع فلسطين وتحرير القدس. والانتخابات المنشودة اليوم هي الأداة الوحيدة التي قد تتمكّن من تحقيق أهدافنا.هل ستحمل الفصائل الفلسطينية شرف إيصال الشعب إلى وضع شرعي مدعوم من كل فئاته، أم ستمكّن، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، الوضع السياسي الراهن الذي يئن منه ومن الاحتلال الإسرائيلي الأمرّين؟

يقف العالم اليوم بانتظار ما سيفعله الفلسطينيون وقياداتهم لرفع الظلم والقهر عنهم. والعالم يسمع ويرى ويؤيد ما هو ممكن من قراراتنا.

أوقف الموقف الأوروبي أحلام بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل، من تهويد غور الأردن والمستوطنات المنتشرة في أراضي الضفة الغربية. وتدعم الأمم المتحدة شعبنا في تحقيق مطالبه الشرعية. وسوف يؤيدنا العالم في جهدنا لإجراء انتخابات عامة تضمن تداول السلطة.

لقد مضى عهد الشعارات والتهديدات التي لا تخيف أحدا من حولنا، ولن تعطي إسرائيل أي مكسب ملموس لأصحاب المقاومة ولا لأصحاب التفاوض، وهما؛ منقسمون ومتعادون ومتحالف كل منهم في الخلافات الإقليمية لطرف ضد طرف.

قد يكون التوصل إلى إجراء انتخابات نزيهة يقودنا لقيادة فلسطينية شرعية صعبا ومعقدا، لكنه ممكن وليس مستحيلا. يحتاج فقط إلى نوايا حسنة وعمل صادق مشترك، وتضحية بالانغلاق على الأهداف التي تضع الفصائل ومصالحها فوق حقوق الشعب وأهدافه الوطنية.