شئون دولية

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020 - الساعة 12:07 م بتوقيت اليمن ،،،

الرياض

يتابع السياسيون باهتمام التغيرات الدبلوماسية الكبيرة، التي بدأت تتشكل في سياسة العلاقات بين الدول الخليجية وإسرائيل، لكونها مفتاح وضع حدّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبما أن تطبيع الإمارات والبحرين بات من التحصيل الحاصل بعد إبرامهما اتفاقي سلام الثلاثاء في البيت الأبيض، فإن الأمر بالنسبة إلى السعودية سيكون مؤجلا إلى حين.

ومع وجود العديد من الشواهد، التي تدل على إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية واستخباراتية وأمنية محتملة بين السعودية وإسرائيل، إلا أن ذلك سابق لأوانه في الوقت الحالي، لأن الرياض تعمل على دراسة هذه الخطوة بروية من خلال مراقبة الوضع عن بعد وترك المجال أمام الإمارات والبحرين في البداية لتثبيت خطوات التطبيع قبل اتخاذ القرار.

ولئن كانت المسألة تستند بالأساس على مواقف صناع القرار في الولايات المتحدة بالتوازي مع ارتدادات الأصداء من داخل إسرائيل، فإن الأمر المؤكد بالنسبة إلى الرياض هو الحفاظ على حقوق الفلسطينيين وعدم المساس بها عبر محاولة امتصاص التوتر الإسرائيلي – الفلسطيني أولا، ثم تحضير المجتمع السعودي لهذه الخطوة، وبعد ذلك استعداد لفرض سياسية الواقع.

وحتى الآن، لم تنتقد السعودية الاتفاق بين حليفتيها الإمارات والبحرين مع إسرائيل، ولكنها شددت على عدم تطبيع علاقاتها مع تل أبيب قبل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، في وقت تكثف فيه الدبلوماسية الأميركية جهودها لتوسيع دائرة التطبيع مع إسرائيل وإقناع الرياض بالقيام بتلك الخطوة.

علامات التحوّل
عندما دعا أحد كبار الأئمة في السعودية هذا الشهر المسلمين إلى تحاشي “الركون للعواطف المشبوبة والحماسات الملهوبة” تجاه اليهود، كان ذلك تحولا ملحوظا في لهجة الخطاب من جانبه إذ سبق أن ذرف الدموع خلال خطبه عن فلسطين في الماضي.

وبث التلفزيون السعودي خطبة عبدالرحمن السديس إمام الحرم المكي في الخامس من سبتمبر الجاري، أي بعد ثلاثة أسابيع من الإعلان عن موافقة الإمارات في خطوة تاريخية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقبل أيام فحسب من إعلان البحرين اقتداءها بالإمارات.

وفي تحوّل ملحوظ للسياسات السعودية في ظل حكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، روى الإمام السديس كيف أحسن الرسول محمد إلى جاره اليهودي. وقال إنه “لا يتنافى مع عدم موالاة غير المسلم معاملته معاملة حسنة تأليفا لقلبه واستمالة لنفسه للدخول في هذا الدين”، وهذا الموقف يأتي مغايرا لما كان يلقيه السديس من خطب دعا فيها الله أن “ينصر الفلسطينيين على الغازي المعتدي”، في إشارة إلى اليهود.

ورغم أنه ليس من المتوقع أن تقتدي السعودية بحليفتيها الخليجيتين على المدى القريب بالنظر إلى حساسية مواقف الدولة العربية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، فمن الممكن أن تكون تعليقات السديس مدخلا للأسلوب الذي ستتناول به بلاده مسألة العلاقات مع إسرائيل وهي قضية حساسة لم يكن من الممكن تصورها من قبل.

ويعد إمام الحرم المكي الذي يعينه العاهل السعودي من أبرز الشخصيات في البلاد، حيث يعكس آراء المؤسسة الدينية المحافظة وآراء الديوان الملكي، ولذلك ينظر المراقبون إلى هذا التوجه، الذي لم يكن موجودا في عهد ملوك البلاد السابقين منذ تأسيس المملكة على يد الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود، على أنها نقطة مفصلية في تاريخ المنطقة لإيجاد حل دائم يقوم على مبادئ الاستقرار ووضع حد للتوترات التي لطالما كانت إسرائيل محورها.

وتمثل الاتفاقات، التي وافقت كل من دولة الإمارات ومملكة البحرين على إبرامها تحولا جذريا باتجاه التعامل مع إسرائيل وأيضا تمثل خطوة استراتيجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يصور نفسه على أنه “صانع سلام” لمنطقة مضطربة وذلك لكسب تأييد الناخبين الأميركيين له قبل الاستحقاق الانتخابي المقرر في مطلع نوفمبر المقبل للفوز بولاية ثانية والاستمرار في إدارة البلاد من البيت الأبيض.

غير أن الجائزة الدبلوماسية الكبرى لإسرائيل، وفق العديد من المراقبين السياسيين، ستكون هي العلاقات مع السعودية التي يحمل عاهلها لقب خادم الحرمين الشريفين ويحكم أكبر دول العالم تصديرا للنفط.

ويرى مارك أوين جونز الأكاديمي بمعهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر أن تطبيع كل من الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل يسمح للسعودية باختبار الرأي العام، غير أن إبرام اتفاق رسمي مع إسرائيل سيكون “مهمة كبرى” للدولة الأهم في المنطقة.

ومع ذلك يعتقد المحلل الأميركي خلال تصريحات لوكالة رويترز أنه من الواضح أن تلك الوكزة من جانب السعوديين عن طريق الإمام صاحب النفوذ خطوة واحدة في محاولة لاختبار رد الفعل الشعبي والتشجيع على فكرة التطبيع. وهي مسألة على درجة عالية من الأهمية في هذا التوقيت.

ويربط مراقبون إمكانية حصول ذلك في المستقبل بعد اللبنات الأولى التي ظهرت ضمن بوادر الانفتاح السياسي التي بدأ في ترسيخها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان تدريجيا منذ 2016 حينما أعلن عن استراتيجية التحول الاقتصادي، لكونها مقدمة فقط لرسم ملامح علاقات دبلوماسية مع الجميع دون استثناء.

ولا تُخفي دوائر صنع القرار الأميركي دعمها لهذا التحول، فقد قال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لرويترز إن الولايات المتحدة تشعر بالتفاؤل لتحسن العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية وترى في هذا الاتجاه تطورا إيجابيا و”نحن نتواصل للبناء على ذلك”.

ولكن مع تناقض دعوة السديس لتحاشي “المشاعر الملتهبة” ضد اليهود مع خطبه السابقة، التي بكى فيها عشرات المرات وهو يدعو إلى نصرة المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، ظهر تباين في ردود الفعل على خطبته التي ألقاها في الخامس من سبتمبر الجاري.

وفي حين دافع عنه البعض من السعوديين قائلين إنه “ينقل ببساطة المبادئ التي يقوم عليها الإسلام”، غير أن آخرين نشروا تغريدات على تويتر وصفوا حديث السديس بأنه “خطبة التطبيع”، وكان أغلبهم إمّا سعوديين يعيشون في الخارج وإمّا من منتقدي الحكومة في ما يبدو، وهؤلاء ليس لهم أي وزن في سياسات السعودية لكونهم يحاولون زعزعة استقرار الدولة عبر تسميم الرأي العام.

واستطلع تلفزيون رويترز آراء عدد من السعوديين في الشارع فقال أحدهم ويدعى علي السليمان تعليقا على موافقة البحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل إنه من الصعب التكيف مع فكرة إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل ودول خليجية أخرى، لكنه أشار إلى أنه مع مرور الوقت يمكن استيعاب الموقف.

ربما تكون إيران، التي تعد العدو المشترك بين الدول الخليجية وإسرائيل، هي الدافع القوي للسعودية حتى تنسج على منوال جارتها الحليفة لها في عقد صفقة سلام محتملة.

وتعهد الأمير محمد بن سلمان مرارا بتعزيز الحوار بين الأديان في إطار إصلاحاته الداخلية. وقد سبق أن قال ولي العهد الشاب إن من حق الإسرائيليين العيش في سلام على أرضهم شريطة إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين يضمن الاستقرار لجميع الأطراف وينهي عقودا من التوترات التي جعلت المنطقة على صفيح ساخن.

وتواجه السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأول منتج ومصدر للنفط على مستوى العالم، معضلة الحسابات السياسية الحساسة قبل أي اعتراف رسمي بالدولة العبرية. وكما حدث مع الاتفاق الإماراتي والبحريني، فإن هذه الخطوة سينظر إليها الفلسطينيون على أنها خيانة لقضيتهم.

وظهرت مؤشرات على أن السعودية، التي تعتبر من أكثر دول الشرق الأوسط نفوذا، تعد شعبها لتقبل فكرة إقامة العلاقات مع إسرائيل، فقد دارت أحداث مسلسل اسمه “أم هارون” بثته قناة أم.بي.سي التلفزيونية خلال شهر رمضان، الذي تتجمع فيه الأسر حول شاشات التلفزيون، عن التحديات التي واجهت قابلة يهودية.

وتدور أحداث المسلسل حول مجتمع متعدد الأديان في بلد عربي خليجي وذلك خلال الفترة الممتدة بين ثلاثينات وخمسينات القرن الماضي وقد أثار المسلسل انتقادات من حركة حماس الفلسطينية المحسوبة على تيار الإسلام السياسي والمدعومة من إيران، حيث قالت إنه يثير التعاطف مع اليهود.

ولكن في ذلك الوقت قالت إدارة قناة أم.بي.سي السعودية إن المسلسل هو أكثر الأعمال الدرامية الرمضانية مشاهدة في البلاد. وقد أكد مؤلفا المسلسل، وهما من البحرين، لرويترز إنه لا ينطوي على رسالة سياسية، غير أن خبراء ودبلوماسيين قالوا إنه مؤشر آخر على تحول الخطاب العام في ما يتعلق بإسرائيل.

وفي مؤشر آخر على أن هناك بوادر لإقامة علاقات دبلوماسية محتملة، زار محمد العيسى، وهو وزير سعودي سابق يشغل منصب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في وقت سابق من العام الجاري مدينة أوشفيتز، حيث شارك في شهر يونيو الماضي في مؤتمر نظمته اللجنة الأميركية اليهودية حيث دعا إلى عالم يخلو من “الخوف من الإسلام ومعاداة السامية”.

ويسود اعتقاد بين المراقبين من بينهم نيل كويليام الباحث الزميل في تشاتام هاوس بأن الأمير محمد بن سلمان عازم على تجديد الرسائل التي تحظى بموافقة الدولة والمتبادلة مع المؤسسة الدينية. ومن المرجح أن يوجه جزء من ذلك لتبرير أي اتفاق مستقبلي مع إسرائيل وهو ما لم يكن متصورا من قبل.

وتعمل اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، الموقعة الثلاثاء في البيت الأبيض، على زيادة عزلة الفلسطينيين، في الوقت الذي لم تتطرق فيه السعودية بشكل مباشر إلى تلك الاتفاقات، لكنها قالت إنها ما زالت ملتزمة بالسلام على أساس مبادرة السلام العربية.

وتدعو المبادرة إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل إقامة دولة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي احتلتها في حرب الشرق الأوسط عام 1967، إلا أنه في خطوة لافتة على حسن النوايا سمحت الرياض للرحلات الجوية بين إسرائيل والإمارات بالعبور فوق أجوائها. وأشاد جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره الذي تربطه علاقة وثيقة بالأمير محمد بن سلمان بهذه الخطوة في الأسبوع الماضي.

وقال دبلوماسي في الخليج إن المسألة بالنسبة إلى السعودية مرتبطة أكثر بما وصفه بوضعها الديني القيادي في العالم الإسلامي وإن إبرام اتفاق رسمي مع إسرائيل سيستغرق وقتا من المستبعد أن يحدث أثناء وجود الملك سلمان على رأس الدولة.

وفي إشارة إلى دعوات يطلقها خصوم الرياض من آن إلى آخر لوضع مكة والمدينة المنورة تحت الإشراف الدولي، يؤكد الدبلوماسي الخليجي أن “أي تطبيع من جانب السعودية سيفتح الأبواب أمام إيران وقطر وتركيا للدعوة إلى تدويل الحرمين الشريفين”.