وكالات

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020 - الساعة 12:37 م بتوقيت اليمن ،،،

تونس

تزايد سخط التونسيين من أزمات قطاع النقل بفعل اهتراء المعدات وتقادم الأسطول خلال السنوات الأخيرة والتي عمقها الركود الاقتصادي جراء الوباء، حيث يكافح القطاع إشكاليات لا حصر لها تتعلق بشح التمويل والبيروقراطية والإضرابات والتي تعد من أبرز مكامن الخلل التي تعطل كامل النشاط الاقتصادي حسب خبراء.

وتراجعت الجامعة العامة للنقل بتونس عن إضرابها المقرر يومي 15 و16 سبتمبر الحالي، تزامنا مع العودة المدرسية والجامعية في ظل تفشي فايروس كورونا بالبلاد.

ورغم عودة الطمأنينة إلى التونسيين بعد تعليق الإضراب، إلا أن ذلك أعاد تسليط الضوء على إحدى أكبر المعضلات في الاقتصاد وهو قطاع النقل الذي يعاني ارتفاع الديون وتردي الخدمات وتقادم الأسطول.

وبيّن محمد الشملي مدير الإعلام والاتصال بشركة نقل تونس “أن الشركة ستُسخر كل إمكاناتها البشرية واللوجستية لإنجاح العودة المدرسية التي تم الاستعداد لها منذ شهر أبريل الماضي”. مضيفا أنه تمّ توفير نفس الإمكانيات التي وفرتها الشركة السنة الماضية رغم العودة التدريجية، إلى جانب أسطول احتياطي.

ويعد قطاع النقل من القطاعات الحيوية إلى جانب الصحة والتعليم في تونس، وتعود ملكية حوالي 70 في المئة منه إلى القطاع العام، ويتكون أساسا من ثلاثة ميادين رئيسية وهي النقل البري والنقل البحري والنقل الجوي.

وتعاني شركات حكومية كبرى مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز (ستاغ) والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد) وشركة فوسفات قفصة وغيرها من مشكلات مماثلة.

ويواجه قطاع النقل العمومي تحديات كبيرة من بينها مشكلات النقل المهيكل المدرسي والجامعي وطرق توزيع الأسطول بين الجهات، فضلا عن غلاء أسعار تذاكر النقل الجوي، وحالة شبكات السكك الحديدية وضعف شبكة النقل بالمناطق الداخلية.

وأكد مدير الإعلام والاتصال بشركة نقل تونس، محمد الشملي لـ”العرب” أن قطاع النقل يعاني من مشكلات عديدة ووضعية المؤسسة صعبة وتعاني من مشكلات مادية بين اقتناء المستلزمات الضرورية وتوفير أجور الأعوان والإطارات (يتجاوز عددهم 7 آلاف موظف وإطار)، فضلا عن ارتفاع حجم ديون الشركة طيلة السنوات الماضية.

ويحاصر خطر الإفلاس أغلب الشركات الحكومية التونسية، التي كانت تقرض قطاع النقل طيلة السنوات الأخيرة الماضية، وهو ما أدى إلى ارتفاع حجم ديونها أكثر وضرب توازناتها.

ويبرهن عجز الموازنات المتعاقبة بعد أحداث 2011 على جسامة التحديات الاقتصادية التي أربكت حسابات البلاد بفعل ارتفاع المصاريف والمطالب ومحدودية الموارد والمداخيل داخل نظام اقتصادي تسيطر الدولة على أغلب مقوماته.

وأضاف الشملي “الإدارة لا تجد الموارد اللازمة ونسبة الديون تتجاوز المليار دينار نتيجة لتراكمات كبيرة عمقت مشكلات المؤسسة مع المزودين بقطع الغيار داخليا وخارجيا وصعوبة تسديد تلك الديون”. وأشار محمد االشملي إلى أن أسطول النقل التونسي متقادم لأكثر من 10 سنوات، ورغم اقتناء 200 حافلة سنوات لا تزال الوضعية صعبة.

وأضاف “المشكلة في الجانب المادي بالأساس حيث أن الحلول مادية بحتة ولا بد من ضخ أموال إضافية واستثنائية لتجاوز الأزمة ومشاريع الإصلاح موجودة والتوجهات أيضا”.

وارتفعت سابقا أصوات تدعو إلى خصخصة البعض من شركات القطاع العام المتعثرة من بينها البنوك، التي باتت تثقل كاهل الدولة، غير أنها اصطدمت بمواجهة حادة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية بالبلاد.

وكشفت الحكومة في 2017 عن استراتيجية لإصلاح وضعية الشركات المتعثرة بطريقة تشاركية مع الأطراف الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والأحزاب السياسية. وقالت حينها إنها تخطط لبيع 15 مؤسسة ومنشأة بحلول عام 2020 كمرحلة أولى، لكن لا شيء تم منذ ذلك التاريخ.

ويشكل ارتفاع عدد الموظفين حجر عثرة نحو الإصلاح، حيث تعاني الشركة من مشكلة كثرة الموظفين الذين كان عددهم يقدر بنحو 7 آلاف عام 2010 ليصل إلى نحو 8200 في عام 2012.

ويوجه مختصون في الشأن الاقتصادي أصابع الاتهام نحو حكومة الترويكا التي حكمت البلاد عام 2012 بقيادة حركة النهضة في مسؤوليتها عن الانتدابات العشوائية وإغراق المؤسسات الحكومية بعدد كبير من الموظفين لا ينسجم مع طاقة استيعابها المالية.

ويغذي عدد الموظفين حدّة ارتباك التوازنات المالية بفعل ارتفاع عدد الموظفين والعمال مقارنة بحاجة أغلب المؤسسات دون مردود وإنتاجية. ويرجع خبراء ضعف خدمات النقل إلى غياب الإرادة الحقيقية في الإصلاح والنهوض بالقطاع الحيوي الذي يلعب دورا كبيرا في إنعاش الدورة الاقتصادية. ووصف الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي وضع شركة نقل تونس الكبرى (العاصمة وضواحيها) بـ”الحرج للغاية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن النقل يشكو من عجز منذ سنوات بسبب أسعار النقل العمومي التي بقيت جامدة في نفس المستوى وتزايد نفقات المؤسسات الراجع بالأساس إلى كلفة قطع الغيار وارتفاع أسعار المحروقات. وأشار الديماسي إلى أن “زيادة أجور الأعوان والإطارات أثقلت كاهل المؤسسات والدولة، فضلا عن غياب توازنات تقضي بتجديد التجهيزات والوسائل”.

وتعاني جل المؤسسات العمومية من خراب متواصل خصوصا قطاع النقل العمومي بسبب تفشي ظاهرة الفساد التي نخرت هياكل الدولة، فضلا عن ارتفاع الإضرابات والاحتجاجات سواء التي ينفذها المسافرون المحتجون على تردي مستوى الخدمات، أو اعتصامات الأعوان بخصوص تحسين ظروف عملهم وحاجياتهم.

ورغم ما يتم الإعلان عنه من إصلاحات سنوية إلا أن مردود قطاع النقل العمومي يعرف تراجعا من سنة إلى أخرى وهو ما يبين غياب نية حقيقية للإصلاح ومعالجة المشكلات العالقة والمتواصلة.

وتم في سنة 2020 تخصيص اعتمادات دفع في حدود 203 ملايين دينار تهم مواصلة إنجاز القسط الأول من الشبكة الحديدية السريعة ومشاريع الشركة الوطنية للسكك الحديدية وشركة النقل.

ويبدو أن ميزانية الدولة لوزارة النقل لا تغطي تمويل المشاريع في العديد من المجالات خاصة برامج تجديد أسطول الحافلات ومعدات النقل الحديدي للمسافرين ونقل الفوسفات ومشاريع تهيئة مراكز الفحص الفني ومحطات النقل البري والبنية التحتية للمطارات والموانئ وتجديد أسطول النقل الجوي والبحري.