شئون دولية

الإثنين - 30 نوفمبر 2020 - الساعة 11:55 ص بتوقيت اليمن ،،،

تونس

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد منتصف الأسبوع الماضي رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى تطبيق القانون على كل من يقوم بقطع الطرق أمام وصول المواد الغذائية والمحروقات للسكان، كرد على الاعتصامات التي شملت عددا من مواقع الإنتاج وأغلقت مسالك نقل السلع الضرورية لبقية المناطق.

وتشهد البلاد مع اقتراب الذكرى العاشرة لما يسمى بثورة “14 جانفي” حراكا شعبيا في عدة مناطق كغلق مضخة النفط بمنطقة الدولاب من ولاية القصرين ووقف إنتاج الفوسفات بولاية قفصة وإغلاق المنطقة الصناعية بولاية قابس ما أدى إلى أزمة في نقل وتوزيع أنابيب الغاز المنزلي.

وبينما تم إغلاق مخازن المحروقات بمدينة الصخيرة من ولاية صفاقس، هدد معتصمو منطقة السبيخة من ولاية القيروان بإغلاق مضخة أنبوب الغاز الجزائري العابر نحو إيطاليا، في حين تعالت أصوات عدة بمناطق أخرى يدعو كل منها إلى قطع خطوط الإنتاج الموجودة في منطقته.

وعاشت ولاية باجة شمال غرب العاصمة الأربعاء الماضي إضرابا عاما غير مسبوق بالنسبة لها منذ استقلال تونس، فيما أعلنت ولاية القيروان عن تنظيم إضراب عام مماثل الخميس المقبل.

وتتزامن هذه التحركات مع تحذيرات من أن يكون الحوار الوطني، الذي تمت الدعوة له مجرد آلية لتكريس الواقع دون التوصل لحلول ناجعة للوضع السياسي الحالي المتأزم بسبب تنازع السلطات بين أطراف عدة نتيجة نظام سياسي وقانون انتخابي عاجزين عن تشكيل سلطة تنفيذية قوية قادرة على حماية الدولة من الأخطار المحدقة بها.

بالتزامن مع الحراك الاجتماعي في الجهات، تعيش القطاعات المهنية على وقع احتجاجات تنادي بدورها بتحسين الظروف المعيشية والرفع من رواتب العاملين فيها وكذلك بتنفيذ الحكومة لاتفاقيات سابقة مع القوى الممثلة لتلك القطاعات وتشمل هذه الاحتجاجات العاملين في مجالات كالصحافة والقضاء والطب والكهرباء والغاز وغيرها.

واعتبر مراقبون للوضع أن تراكم أخطاء السياسيين وعدم الاستفادة من دروس الماضي، جعلا الوضع في حالة يرثى لها، وقال وزير الدفاع السابق غازي الجريبي في تدوينة على حسابه بفيسبوك إن “الوضع العام ينذر بالخطر وأن الانفلات الكلي على مرمى حجر والسلطة في مهب الريح”.

وبينما دشن المشيشي جلسات حوار مع الأحزاب الداعمة لحكومته في إطار ما سمي بـ”الحوار الاقتصادي والاجتماعي حول قانون المالية ومخطط التنمية”، دعا رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، المحتجين في عدة مناطق داخلية إلى “الهدوء والتهدئة واعتماد لغة الحوار بديلا لأسلوب تعطيل مرافق الدولة”.

ويرى مراقبون أن توقيع الحكومة مطلع نوفمبر الجاري على اتفاق نهائي مع معتصمي الكامور بولاية تطاوين لتحقيق مطالبهم بالتنمية والتشغيل مقابل إعادة فتح مضخة نفط الصحراء المغلقة منذ أشهر، دفع بمناطق أخرى إلى نسخ التجربة.

وهذه التحركات جاءت كرد على ما سبق أن ورد على لسان المشيشي من أن نموذج الكامور سيتم تطبيقه على بقية الولايات وما قاله الغنوشي بأنه “لا تجوز الصدقة إلا إذا اكتفى أهل البيت”، في إشارة إلى ضرورة أن تستفيد كل منطقة من إنتاجها قبل أن تستفيد منه البلاد ككل.

وقد ردت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي على الغنوشي قائلة إن “أبجديات العمل السياسي تعلمنا أنه لا يجب التفريق بين المناطق”، معتبرة أن خطاب المشيشي هو الذي أجّج الاحتجاجات والاحتقان في عدد من الولايات، وأن تصريح رئيس البرلمان كان فيه استنهاض للنعرات الجهوية وإعطاء إشارة انطلاق لتفكيك الدولة وهو مناهض لمفهومها.

ودخلت النائب عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبّو على الخط حينما أكدت أن البلاد وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا، بما أن المواطنين يحاولون أخذ حقوقهم بأياديهم وكأنه لا يوجد قانون ولا دولة، معتبرة أن حالة التهميش والفقر والخصاصة وصلت إلى درجة أن المواطن بات يطبق مقولة “عليّ وعلى أعدائي حتى أننا أصبحنا خاضعين لمنطق تفكيك الدولة”.

وأشار المحلل السياسي عبدالحميد بن مصباح في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأوضاع تنذر بخطر حقيقي يستهدف سقف الدولة، بعد أن اتخذت الاحتجاجات أبعادا جهوية ومناطقية وحتى عشائرية، وبات كل طرف يطالب بحقه في الحصول على امتيازات خاصة من مصادر الثروة والإنتاج في منطقته دون النظر إلى ما تحدده الدولة كغطاء شامل لشعب واحد.

وقال إن “ذلك يعني أن هناك اتجاها لفرض نموذج الحكم الفيدرالي بدل الحكم المركزي، مشيرا إلى أن تونس اليوم وفي ظل أوضاعها الاقتصادية الصعبة تواجه مخاطر التفكك الاجتماعي بسبب التأثيرات السلبية للاعتصامات والاحتجاجات على مناطق غير المناطق التي تدار منها، وكذلك نتيجة الخطاب الجهوي التقسيمي الذي ظهر منذ العام 2011.

تحولت نذر تفكيك الدولة إلى مضمون يومي لتصريحات ومواقف أغلب السياسيين والمتابعين والبلد على مشارف الذكرى العاشرة للإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وعجز الحكومات المتلاحقة على إيجاد الحلول المناسبة، ما أدى إلى حالة الاحتقان الاجتماعي التي يرى المراقبون أنها باتت تمثل خطرا على الدولة.

ويرى الأميرال كمال العكروت المستشار الأول السابق المكلف بالأمن القومي لدى مؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أن “أغلب حكومات ما بعد يناير2011 لم تستوعب دقة المرحلة السياسية والاقتصادية ولم تتمكن من استقراء مفهوم سوسيولوجي للحالة المجتمعية التونسية بل هي من نوع الحكومات المضيعة لفرص الإصلاح والتغيير.

واتسعت دائرة الدعوة إلى تنظيم حوار وطني للبحث عن مخرج من عنق الزجاجة، حيث يرى الاتحاد العام التونسي للشغل أنه يجب أن يكون على أساس ربط الملفات الاقتصادية الحارقة بالأزمة السياسية المسببّة لها.

ووفق الناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري فإن هناك مبادرة يعمل على إعدادها فريق من نخبة الخبراء المختصين، تشمل مقترحات وتشخيصا للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقد لقيت فكرة إطلاقها ترحيبا من الرئيس قيس سعيد في آخر لقاء جمعه بأمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي.

وقالت حركة مشروع تونس إن اعلان أكبر نقابة عمالية بالبلاد عن عزمها تقديم مبادرة للحوار الوطني لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وهي تتقاطع مع دعوة سابقة للحركة وعدد من الأطراف الحزبية والمدنية مشيرة إلى أن أحد الأفكار الأساسية للمبادرة هي عقد مؤتمر إنقاذ يدعو له قيس سعيد بينما تدير أعماله المنظمات الوطنية اعتبارا لحيادها المطلوب في ظل الصراعات والانقسامات.

وحاول البعض أن يجعل مما يحصل مطية لتبرير الانتفاضات في المناطق الداخلية باعتبارها لم تكن تحصل على حقوقها في التنمية كمناطق أخرى وصفت بالمحظوظة أو المرضي عنها من قبل النظام السابق وهو منحى حاول أن يستغله الإسلاميون وقوى اليسار الراديكالي في كسب نقاط انتخابية دون النظر إلى خطره على البلاد ووحدتها.

وحذر القيادي بحركة النهضة ووزير الصحة الأسبق عبداللطيف المكي الذي يتزعم جناحا مناوئا للغنوشي داخل النهضة من مخطط إسقاط الدولة، معتبرا أن تحدي القانون وسيادة الفوضى وغياب منطق المصلحة العليا للبلاد هي من مظاهر تحدي الدولة وخطوة نحو سقوطها.

ودخل عدد من الأحزاب على خط دعم الاحتجاجات، حيث دعا حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد أنصاره وكل القوى المناضلة إلى الانخراط في الاحتجاجات التي تشهدها عدة مناطق في البلاد للمطالبة بالتنمية والتشغيل.