صدى الساحل - تقرير - حسين الشدادي
في خضم الصراع اليمني المستمر منذ سنوات، برز ميناء الحديدة ك عنصر رئيسي في النزاع بين الحكومة الشرعية اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، وبين ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران.
هذا الميناء، الذي يقع على ساحل البحر الأحمر، يمثل حلقة وصلٍ استراتيجية تجمع بين أهداف اقتصادية وعسكرية للحوثيين، وساحة صراع ضاغطة على المجتمع الدولي الذي يواجه تحدياً في اتخاذ موقف واضح يوازن بين الاعتبارات الإنسانية وأمن الملاحة الدولية.
أهمية ميناء الحديدة للحوثيين
منذ سيطرة الحوثيين على الميناء في عام 2014، تحول الحديدة إلى مصدر رئيسي لتمويل الحرب التي يقودونها.
وتشير التقارير إلى أن الميناء يستقبل حوالي 70% من واردات اليمن من الغذاء والوقود، مما يُمكّن الحوثيين من فرض رسوم غير قانونية على السلع التي تمر عبره، حيث يتم تحويل هذه الإيرادات لدعم العمليات الحربية للمليشيات.
إضافة إلى ذلك، يعتبر الميناء نافذة للحوثيين لتهريب الأسلحة إلى الداخل اليمني، حيث يتم استقبال الشحنات العسكرية الإيرانية عبر قوارب صغيرة لتجنب كشفها من قبل التحالف، وهي أسلحة تُستخدم لاستهداف المدن اليمنية وقوات الحكومة الشرعية.
التأثير على الملاحة الدولية
لم تتوقف خطورة الحديدة عند الجانب الاقتصادي، بل تعدّته لتطال الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فقد استخدم الحوثيون الميناء كنقطة انطلاق لمهاجمة السفن التجارية وتهديد خطوط الملاحة، وهو أمر استدعى استنكاراً دولياً خاصة بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت ناقلات النفط في مضيق باب المندب.
ويعتبر المجتمع الدولي البحر الأحمر ممراً حساساً للغاية، إذ تمر من خلاله نسبة كبيرة من صادرات النفط العالمية، وبالتالي فإن أي تهديد مباشر لهذا الممر يُعدّ تحدياً اقتصادياً وأمنياً على المستوى الدولي.
موقف الحكومة الشرعية والتحالف العربي
طالبت الحكومة اليمنية والتحالف العربي مراراً بتحرير الميناء من سيطرة الحوثيين، معتبرين أن هذه الخطوة ستضعف قدرات الحوثيين الاقتصادية وستحدّ من قدراتهم العسكرية، كما ستؤدي إلى تخفيف الضغط العسكري عليهم في جبهات أخرى.
إلا أن التحالف واجه ضغوطاً دولية متزايدة للتراجع عن تحرير الميناء بسبب مخاوف من تأثير العملية على الأوضاع الإنسانية، نظراً لأن الميناء يُعدّ منفذاً أساسياً لدخول المساعدات الإنسانية للبلاد التي تعاني من أزمة إنسانية حادة.
محاولات التفاوض وتسليم الميناء لجهة محايدة
في عام 2018، قادت الأمم المتحدة مبادرة لتسليم ميناء الحديدة لجهة محايدة، بهدف ضمان استمرار تدفق السلع الأساسية وتقليص استخدام الميناء للأغراض العسكرية، غير أن الحوثيين رفضوا هذا المقترح، كما أن المبعوث الأممي السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، واجه تهديدات وهجوماً من قِبل الحوثيين بعد مطالبته بالإشراف الدولي على الميناء، الأمر الذي يوضح حجم تمسكهم بالحديدة كأداة أساسية لتحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية.
المجتمع الدولي بين الإنسانية والأمن
وضع المجتمع الدولي نفسه في موقف حرج، فهو من جهة يقرّ بضرورة كبح توسع الحوثيين والحدّ من تدفق الأسلحة الإيرانية إليهم، ومن جهة أخرى يشعر بالقلق من أن تؤدي أي محاولة لتحرير الميناء بالقوة إلى كارثة إنسانية، حيث يعتمد ملايين اليمنيين على واردات الميناء من الغذاء والدواء.
وبهذا، يشكل ميناء الحديدة تحدياً لمعادلة الأمن مقابل الإنسانية، إذ يشكل بقاء الميناء في قبضة الحوثيين تهديداً إقليمياً ودولياً.
ويبقى ميناء الحديدة عقدة محورية في النزاع اليمني، ورمزاً للصراع الإقليمي والدولي المستمر في اليمن.
إن استمرار الحوثيين في استغلال الميناء اقتصادياً وعسكرياً، إلى جانب تعنتهم في أي تسوية سياسية، يجعل من تحريره ضرورة ملحة للأمن الإقليمي.
إلا أن المجتمع الدولي، حتى اللحظة، يواجه صعوبة في اتخاذ خطوات حاسمة، متردداً بين تقديم المساعدات الإنسانية وتفادي كارثة أوسع في منطقة مضطربة.