منوعات

الخميس - 10 يونيو 2021 - الساعة 10:29 ص بتوقيت اليمن ،،،

وكالات

على الرغم مما يتسرّب من تداعيات للأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، بعد السماح لزعيم البوليساريو بالعودة إلى الجزائر دون أن يتم تقديمه للقضاء بسبب جرائمه ضد الإنسانية، وما كشفت عنه صحيفة “أوك دياريو”، قبل ساعات من أن الحكومة الإسبانية تعمل على طرح تشكيل وزاري جديد قد يطيح بوزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا لمعالجة الضرر الفادح الذي تسببت به، إلا أن الأزمة لم تبرح مكانها.

وكانت غونزاليس لايا قد زادت من تسميم الأجواء بفعل قراراتها وتصريحاتها التي أغضبت الرباط وتسببت في دفع العلاقات الثنائية إلى حافة القطيعة التامة.

بعد تركها منصبها كمديرة لمركز التجارة الدولية توقعت غونزاليس لايا، التي عيّنت وزيرة للخارجية في حكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز، حدوث تغيير جذري في حياتها التي بلغت فيها اثنين وخمسين عاما، فاصطدمت بكوفيد – 19 كأسوأ أزمة صحية عرفها العالم منذ الإنفلونزا الإسبانية، إذ يعدّ بلدها الدولة الأكثر تضررا من الوباء، لتساهم أخيرا في تقويض العلاقات الثنائية مع المغرب كأحد إنجازاتها الدبلوماسية الفاشلة.

في مهب العاصفة
غونزاليس لايا محامية دشنت حياتها المهنية في القطاع الخاص، وبالرغم من أنها حصلت على إجازة في القانون من جامعة نافارا ودرجة دراسات عليا في القانون الأوروبي من جامعة كارلوس الثالث في مدريد، إلا أن خبرتها خانتها في اختيار الأسلوب الأمثل للتعاطي مع تطورات الأزمة مع جارها الجنوبي المغرب. ويبدو أن معرفتها الواسعة بالعلاقات الدولية والتجارة والاقتصاد، لم تؤهلها للتعامل الموضوعي والاستشرافي مع الجار المغربي، الشريك التجاري الذي تربطه بإسبانيا اتفاقيات اقتصادية وأمنية وسياسية، وتعتمد عليه مدريد في ملفات الإرهاب والهجرة غير النظامية وغيرها، فدفع فشلها هذا خصومها السياسيين إلى شحذ سكاكينهم لإسقاطها من منصبها الحكومي.

أصبح رأس المسؤولة الحكومية مطلوبا سياسيا لدى المعارضة وجزء من الأغلبية، ما دفع الأمين العام لحزب الشعب ثيودورو غارسيا إيجيا، إلى القول إن على الوزيرة تقديم استقالتها بسبب “الإدارة الكارثية لهذه القضية”، مؤكدا أن حكومة سانشيز تصرفت بشكل مؤسف لأنها لم تدبّر بشفافية دخول وخروج إبراهيم غالي، مضيفا قوله إنها “لم تشرح بوضوح ما هي المشكلة الحقيقية”.

وكشفت صحف محلية أن وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، حذّر زميلته في الحكومة غونزاليس لايا، من أن استقبال زعيم البوليساريو سيكون خطأ جسيما ستكون له عواقب على العلاقات المغربية، لاسيما وأن التحقيق القضائي يلقي بثقله، كما أن مارلاسكا الذي تربطه علاقات وثيقة مع الرباط في مجال الهجرة، اشتم رائحة أزمة دبلوماسية.

بعد خروج غالي من البلد اختفت الوزيرة الإسبانية وتجنّبت أي تصريحات في الموضوع رغم شغفها بإعطاء حوارات والظهور الإعلامي، وهي التي كانت بمثابة رأس حربة حكومة سانشيز في ما يتعلق بظروف الأزمة الحالية مع المغرب، ولم تستمع لأي نصيحة تحذرها من الإقدام على السماح لزعيم البوليساريو بالنزول في أحد مستشفيات بلدها.

كانت الرباط صارمة وواضحة في ما يخص حيثيات السماح لغالي بالدخول إلى إسبانيا بجواز سفر وهوية مزوّرين، واعتبرت السلطات المغربية أن هذا الفعل “خطير ويخالف روح الشراكة وحسن الجوار”. ولكن رد وزيرة خارجية إسبانيا كانت تعوزه الكثير من الحكمة والكياسة، عندما قالت إننا “وعدنا بتقديم استجابة إنسانية لهذا الشخص، لقد كان في وضع حرج بسبب مشاكله الصحية المتعددة بما في ذلك إصابته بفايروس كورونا”. لكن الجميع تساءل؛ كيف تم إدخال شخص مطلوب من طرف القضاء الإسباني بتلك الطريقة التي يتم بها تهريب المخدرات؟

والأدهى أن غونزاليس لايا كشفت تناقضات حكومتها، عندما قالت إن غالي يجب أن يردّ على الاتهامات الموجهة إليه أمام المحكمة العليا الإسبانية، مشترطة أن يتم ذلك عقب تعافيه من مشاكله الصحية. وفي النهاية تم السماح له بمغادرة البلاد تحت جنح الظلام دون أن يمر على أنظار قضاة المحكمة العليا، وهذا ما جعل الأزمة بين الرباط ومدريد تزداد تعقيدا، ما يؤكد أن كلامها عن أن “المغرب شريك له أولوية، وأن العلاقات معه جيدة”، مجرد تمويه سياسي لكسب الوقت.

تتحدث الوزيرة الإسبانية لغة الباسك والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، لكن تصريحاتها التي ساقتها لتبرير دخول غالي إلى بلدها كانت مغلوطة وغير ملائمة، ما دفع سفيرة المغرب في مدريد كريمة بنيعيش، إلى القول “لا يمكن إلا أن نعبّر عن الأسف للطابع البائس وللانفعال والعصبية التي رافقت تلك التصريحات”. وأضافت الدبلوماسية المغربية قولها “يحق لنا التساؤل عمّا إذا كانت هذه التصريحات الأخيرة خطأ شخصي للسيدة الوزيرة، أو أنها تعكس النوايا الحقيقية لبعض الأوساط الإسبانية المعادية للوحدة الترابية للمملكة، القضية المقدسة للشعب المغربي ولكل القوى الحية للأمة”.

فهل سيكون اعترافها بالضعف بداية لتعاطيها مع الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين بلدها والمغرب بشكل أكثر واقعية وتواضع، خصوصا وأن لها نصيبا وفيرا في زيادة إشعال فتيلها؟ سؤال سيكون ستجيب عنه الأيام المقبلة، لكن يبدو أن السيدة عنيدة جدا، خصوصا أنها تقول مكابرة إنها قد عرفت العديد من الأزمات في مهامها المختلفة وتغلبت عليها.

ولعل غونزاليس لايا، بالفعل، تمتلك العديد من العلاقات الشخصية مع الوزراء ورؤساء الحكومات العالمية، استثمرت فيها من خلال عملها رئيسة لمركز التجارة الدولية. ويبدو أنها ركنت إلى تلك الشبكة للانفراد بقرار العلاقات الخارجية لبلدها فكانت نتائجه كارثية إلى حد الساعة واستطاعت بناء جبل جليدي غير متوقع مع المغرب، وباعتراف أبناء بلدها.

بصمت غونزاليس لايا، على ورقة العداء مع المغرب، وربما لن يزول هذا الانطباع من نفسية هذه المرأة التي ستظل معارضة لمصالح المغرب، حتى وإن لم تبق على رأس الدبلوماسية الإسبانية، حيث أن هناك من يتوقع عودتها للاشتغال في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ببروكسل، إذ سبق لها أن شغلت مناصب مختلفة داخل المفوضية الأوروبية في سياق التفاوض على الاتفاقيات ومساعدة الدول النامية من عام 2002 إلى عام 2004، وحينها ستكون تجربتها مع المغرب فريدة وقاسية.

قبل أن تتولى حقيبة الخارجية كانت غونزاليس لايا تتحدث عن ضرورة الدفاع عن مفهوم السيادة في القرن الحادي والعشرين مع مراعاة الثورة التكنولوجية والترابط والتداخل بين المجتمعات والدول سواء في الاقتصاد أو التجارة أو الأمن. وكانت تقول إن السيادة لا تعني العودة إلى الانعزالية، بل على العكس من ذلك، يمكن استخدامها لتعزيز تعاون دولي أكثر ذكاء. لكن عندما سنحت الفرصة لتطبيق تصوراتها كمسؤولة حكومية، أبانت عن التناقض بين التنظير والواقع العملي بعدما اعترضت على اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه وأيضا امتعاضها من دفاع المغرب عن حدوده البرية والبحرية.

وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية والوباء، إلا أن غونزاليس لايا، تقول إنها حاولت إيجاد الوقت والطاقة للانخراط المكثف في إنتاج استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية، وكان كلامها عن إضعاف نظام التسوية السلمية للنزاعات، وأنه عندما تكون هناك مشكلة ننخرط في حوار، مجرد لغو سياسي، حيث أنها فشلت في تدبير الأزمة الحاصلة بين بلدها والمغرب. ولم تلتفت إلى أن جوهر المشكلة هو مسألة ثقة تم تقويضها بين شريكين، كما يقول المغرب ردا على حكومتها، إضافة إلى دوافع خفية لإسبانيا معادية لقضية الصحراء، القضية المقدسة لدى الشعب المغربي.

ومنذ أن تولت منصبها بقيت تكرّر أنها كرّست الكثير من الجهود مع نظرائها في الجوار الجنوبي، لصياغة استجابة أو استراتيجية تعمل لكلا الجانبين، على أساس من المسؤولية، حيث تتشارك إسبانيا مع المغرب تاريخيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتجاريا، فكيف ستوازن وزارة الخارجية الإسبانية بين الحاجة إلى استدامة العلاقات الثنائية ولكن في نفس الوقت تناور ضد عوامل إنجاح تلك الاستدامة؟

بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008، كانت إسبانيا منشغلة للغاية بحل الأزمة، وكان عليها أن تبذل الكثير من الطاقة السياسية في محاولة لحل المشاكل التي أحدثتها الأزمة، وبطريقة ما كانت لديها طاقة أقل لتكريسها للسياسة الخارجية، وتقول وزيرة الخارجية الاسبانية، إنها عندما تولت منصبها الحكومي في العام 2020، أردت التعبير على أننا نشعر بالثقة وأن الأزمة الاقتصادية أصبحت وراءنا ونريد أن ترتبط بشكل كامل بالسياسة الخارجية والعمل في جميع أنحاء العالم.

ولأجل التذكير بأفضال المغرب الكثيرة على الجانب الإسباني، ذكّرت الرباط الوزيرة الإسبانية بأنه في سنة 2008، عندما كانت إسبانيا في أوج الأزمة الاقتصادية، قدم المغرب إعفاءات لاستقبال العمال ورجال الأعمال الإسبان بالمملكة بصدر رحب مع تمكينهم من الاستقرار وممارسة نشاطهم بها.

يبدو أن الوزيرة لم تنصت جيّدا إلى أصحاب القرار عندما اعترفوا بأن هناك صعوبات طبيعية مرتبطة بالجوار وحتمية الجغرافيا، بما في ذلك أزمات دورية تتعلق بالهجرة، لكن ذلك لا ينبغي أن ينسي الجميع أبدا أن التضامن هو الشراكة، وأن حسن الجوار والصداقة مرتبطان بالثقة والمصداقية، وذلك التضامن هو ما أظهره المغرب دائما تجاه إسبانيا.