اخبار وتقارير

الخميس - 11 يوليه 2024 - الساعة 10:37 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - أحمد عبدالملك المقرمي





بلغ الحقد مداه، وتَنمّر الغيظ حتى لم يعد يرى غير التصفية الجسدية لمحمد (ص)، فقد استنزف الحقد من قريش كل ما كان يفاخر بها العرب من قيم ومروءة وأخلاق فمكروا مكرا كبارا (ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك).

وأجمع الملأ من قريش أن اقتلوه، فقد خابت نداءاتهم السابقة :"لا تسمعوا لهذا القرآن وَلْغوا فيه لعلكم تغلبون"، وقد راحوا يمشون بين الناس يأمرونهم التمسك بالأصنام :"أن امشوا واصبروا على آلهتكم"، لأن محمداً (ص) مضى بإرادة أقوى ينشر الضياء، ويبدد الظلمة.

وكانت الهجرة قد تقررت، وسبقه إليها جُلُّ أصحابه، لأن إقليمياً قَبِلَ أن يستقبل الرسول، وأن يناصره ورسالته، ليكون هذا الإقليم وطناً للدين الجديد.

فكانت يثرب الدولة . و الدولة: وطن، و شعب، و حكومة لها السيادة، و كانت المدينة المنورة (يثرب) الوطن، الذي فيه الشعب، والحكومة، أو السلطة ذات السيادة.

لم تكن رسالة محمد (ص) على مقولة: قل كلمتك وامْشِ، وإنما كانت رسالة ربانية لها شريعتها، وقوانينها التي تستهدف تحرير الأرض والإنسان من أنواع الطواغيت، لتقيم العدل والحرية، والمسـاواة، بحيث لا يطغى الإنسان على أخيه الإنسان، رسالة ذات أبعاد إنسانية، وحضارية، وقيمة علمية، وقد كانت.

إنه من غير المُتَأَتَّى أن يكون هناك مشروع حضاري بلا إقليم يبسط نفوذه فيه، ومن غير المعقول أن تؤدي رسالة وظيفتها من غير أن يكون لها وطن تطبق فيه شريعتها، وقوانينها، وتنفّذ أحكامها، وتنطلق منها في صنع التحولات الكبرى.

هل كان يمكن أن تطبق الفرائض الجماعية، أو الأحكام الشرعية في مكة؟ كلا، لأنها لم تكن قبل الفتح لتمثل وطنا للدين، ولا للسلطة، أو الحكومة.

لو كانت الرسالة على مقولة: قل كلمتك وامش، لبقي النبي الكريم في مكة المكرمة، يعظ عابـراً، وينصح مستكينا، ويهادن محاذرا، ولبقي قاعداً لا يُناهض منكرا، ولا يدل على معروف، كمن سبقه ممن سموا بالحنيفيين..!! ولما كانت هناك هجرة.

ولكنها كانت رسالة ربانية تغييرية، تسقط الطغيان، وتزيل الظلم، وتخلع الباطل، لتقيم الحق، والعدل والحرية، وإعادة صياغة بناء الإنسان.

إنها الهجرة التي دلت على أن الرسالة لم تكن لقرية، أو لجهة، أو لجنس، لم تكن كذلك لقوم أو لأسرة - معاذ الله - لكن كانت للناس كافة :(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

هاجر النبي (ص) إلى المدينة المنورة، وبقيت معظم عشيرته، وكثير من أسرته المقربين، في مكة على شركهم، ولأنه كان رسولاً للناس كافة، فقد هاجر مبلغاً رسالة ربه، فقد أرسله الله (ليكون للعالمين نذيرا).

واستقر الرسول بالمدينة المنورة، وكانت غزوة بدر في العام الثاني من الهجرة، وكان أغلب من حضرها من الأنصار، إذ كان عددهم 231 رجلاً، فيما حضرها من المهاجرين 83 رجلاً.. فأين الأسرية، أو القروية هنا؟!

كلا الجانبين، المهاجرون والأنصار آمنوا بالله ورسوله، على أن محمد عليه السلام رسولاً للعالمين، فلبى نداء الرسول مهاجرون وأنصار لغزوة بدر طاعة لله ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

فهل تعي السلالة الحوثية، أن لو كان صلى الله عليه وسلّم نبيا (للعائلة) - بحسب مزاعمها التي تريد بها تأميم الرسول ومصادرة الرسالة - لَمَا هاجر من مكة المكرمة، ولما كان أكثر المجاهدين في كل الغزوات مع الرسول من الأنصــار وسائر العرب.

يعلم الحوثي، كما يعلم مفتيه، والمتسلقون من حوله أن أبا لهب عم رسول الله، فدا نفسه بعوض مالي لمن يذهب لقتال الرسول - ابن أخيه - نيابة عنه لفزعه من مصير ينتظره؟ وهل يعلم الحوثي، والمفتي، والمتسلقون أن عقيل بن أبي طالب، وأبا سفيان بن الحارث ابني عمي الرسول كانا ممن قاتلا الرسول يوم بدر في صفوف المشركين؟.

لقد هاجر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة لدعوة الناس أجمعين، وكما قال للناس كافة :"صلوا كما رأيتموني أصلي"، قال لهم في الحج بوضوح، وفي جمع حاشد من الناس :"خذوا عني مناسككم".

وقال في مكة قبل الهجرة أيام كان أحوج ما يكون للنصير المساند، حين كان يعرض نفسه على القبائل يطلب نصرتها، فقال قائل قبيلة بني عامر :أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال :"الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء".

هل رد عليهم أن الأمر محسوم وأنه سيكون للعائلة؟ أم قالها بكل وضوح :الأمر إلى الله؟ إن أهم صفتين للرسل :الصدق، والبلاغ ، والقوم هنا لا يرعوون أن يلمزوا الرسول ويُعَرِّضوا به، في أنه لم يقل قولاً صريحا، ولا - حتى - مُبهما، وهو يلقي بعرفات خطبة الوداع، أو بعدها أو قبلها فيقرر، أو يشير إلى أن الحكم، أو الإمارة، أو الإمامة ليحيى الرسي، أو عبد الملك الحوثي، أو... الخ. ما يتمناه المُدّعون..!!

أترى أن كل ذلك الجهاد، و تلك الغزوات، والفتوحات، كانت من أجل أن تصبح الإمامة لبيت حميد الدين، أو بدر الدين، أو لمن ادعاها قبلهم أمثال السفاح ابن حمزة، أو حسين المهدي الذي زعم أنه أفضل من رسول الله، وأن كلامه أنفع من القرآن الكريم، أفترى الرسالة الربانية نزلت من أجل هؤلاء ؟!!.

ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟!! لا أضل منهم سبيلا، إلا من جاراهم في ضلالاتهم وسايرهم، وانكفأ يقبل أقدامهم، ويتمسح بأعتابهم، ويتسكع عند أبوابهم، وحاباهم فيما يفترون.

لو لم يكن من ثورة 26 سبتمبر إلا أنها أسقطت الهالة المقدسة للأدعياء، وحطمت الصنمية السلالية التي فرضتها الخرافة لكان يكفي الشعب اليمني منها ذلك، لكنها كانت ثورة، فتحت فوق ذلك آفاقا وتنمية ونشرت علماً ومعرفة وحرية.

وواجب الشعب اليمني اليوم التصدي، ومقاومة كل محاولة تسعى لإعادة همجية الإمامة، وفرض القيود والأغلال التي حطمها شعب أبي عظيم في ال 26 من شهر سبتمبر بثورة مباركة أبية.