كتابات وآراء


الإثنين - 04 مارس 2024 - الساعة 01:39 ص

كُتب بواسطة : السفير / أشرف عقل - ارشيف الكاتب



- يصادف يوم ٣ مارس من كل عام اليوم الوطنى لزراعة البن ، حيث يتم الاحتفال به من جانب المؤسسات اليمنية المختلفة . ورغم اكتشاف اليمنيين للبن كمشروب منذ أكثر من ثمانية قرون ، إلا أن تاريخ إنتاجه وتصديره فى اليمن يعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الميلادى . ويعد المزارع اليمنى أول من استزرع هذا المحصول وحوله إلى سلعة قابلة للتبادل التجارى ، واحتكر تجارته لأكثر من ثلاثة قرون ، ليصبح حاليا المشروب الثانى عالميا فى التبادل التجارى ، وذلك بعد الماء الذى هو سر الحياة .

- وخلال فترة طويلة من زراعة البن فى مناطق بيئية متباينة ، استنبط المزارع اليمنى العديد من الأصناف والطرز الوراثية المتلائمة والمتكيفة مع الظروف البيئية والزراعية والحيوية لزراعته فى اليمن ، الأمر الذى مكنها من البقاء والاستمرار فى الإنتاج والعطاء واكسابها صفات جودة خاصة ومميزة لدى المستهلك .

- ورغم أن معظم أنحاء اليمن مناسبة لزراعة أشجار البن مناخيا وبيئيا ، إلا أنه يزرع حاليا فى ١٥ محافظة من أصل ٢١ محافظة يمنية تبدأ من السلاسل الجبلية الواقعة فى محافظة صعدة شمالا والممتدة حتى مرتفعات يافع فى الجنوب ، وما يتخللها من وديان عميقة وقيعان تسود فيها الظروف البيئية المناسبة . وهناك ٣ أنظمة لزراعة البن هى :
= قيعان الوديان التى تروى بالسيول والمياه الجوفية .
= السفوح المتوسطة الارتفاع والتى تعتمد على الأمطار والرى الجوفي ومياه العيون الصغيرة .
= المدرجات المطرية التى تعتمد كليا على الأمطار والخزانات التى أنشئت لتخزين هذه الأمطار .

- وتتوزع أصناف البن بين المحافظات اليمنية ، وهناك العشرات من الأسماء المحلية لأصناف البن المختلفة فى اليمن ، وعلى الرغم من أنها تشترك فى بعض الخصائص ، إلا أنها يمكن أن تبدو مختلفة عند التذوق عن بعضها البعض . ومن أهمها : المطرى ، الدويرى ، الحرازي ، التفاحى ، الاسماعيلي ، الجعدى ، الحورى ، الحيمى ، الصنعاني ، المحويتى ، العدينى ، الفضلى ، الشرفى ، الصعفانى ، الحمادى ، الملحانى ، الحوفاشى ، اليافعي ، الحفاشى ، العيسائي ، القطى ، الطسوى ، الحمومى ، الريمى ، البرعى ، الكوبارى ، الناخبي ، الشبريقى ، الصغيرى ، جبل الرس ، الشامى ، البازى ، الجعارى ، المسرحى ، الصافى ، الشانى ، الملحانى ، الدوارانى ، الخولانى ، ، وغيرها .

- وقد ارتبطت شجرة البن طيلة عدة قرون باليمن ، الذى احتكر أسرار زراعته وطرق تحميصه وتصديره إلى أسواق العالم ، ومن ميناء " المخا " غرب اليمن اشتق اسم القهوة Mocha Cofee . وبحسب التصنيف فإن أى قهوة تسمى موكا يجب أن تكون يمنية الأصل . وقد كان اليمن فى القرنين ١٧ و ١٨ يحتل المرتبة الأولى عالميا فى زراعة وتجارة وتصدير البن ، مما أعطى اليمن حضورا عالميا فى هذه الصناعة حتى العقود الأخيرة .

- ومع كل ذلك التميز والتجدد والتنوع فى البن اليمنى ، يظل الحديث عن موطنه الأصلى محسوما كواقع مثبت فى مدونات تاريخية تتحدث عن اليمن كموطن أصلى للبن العربى ، وأول مكتشف للمشروب ، وأول مصدر للحبيبات الخضراء عبر قرون من الزمن ، وأن أرضه زاخرة بأقدم التنوعات الوراثية ، ومحتفظة بالبن الفريد الأعلى فى سعره ، والأفضل فى مذاقه ونكهته على مستوى العالم حتى اليوم .

- وتتسم الثقافة اليمنية عموما بأنها ثرية وواسعة ومتجذرة فى أعماق التاريخ . كذلك ، فإن ثقافة القهوة عند اليمنيين تميزت بشكل كبير ، وكانت جزءا أساسيا من حياة المجتمعات اليمنية وعاداتهم وتقاليدهم . وللقهوة طقوسها وثقافتها الخاصة والمميزة التى يتفاخر بها اليمنيون ، ولعل أبرز ما اتسمت به القهوة سواء آنيتها أو وعائها أوأساليب تقديمها ، أوظروف تعاطيها فى مختلف المناسبات مثل : الأعراس والمواليد والوفيات ، كما إنها إحدى الوسائل لتبادل الزيارات وتجمع الأهل والمعارف حول جمان وأوانى القهوة والقوازى والحياسى والصيانى مختلفة الأشكال والألوان والأحجام .

- وتتشابه وتتقارب طقوس القهوة فى أنحاء اليمن ، وإن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة هنا وهناك ، فإن ذلك لا ينفى واحدية الطقوس ، لذا نشير إلى بعض المؤشرات المشتركة فى جميع المناطق ، ومنها :
= أنه وحتى وقت قريب ، ظلت الأدوات الرئيسية المستخدمة فى اعداد وتجهيز البن وتقشيره وطحنه هى حجر الرحى " المطحنة " التى مازال العمل بها ساريا حتى اليوم فى بعض المناطق الريفية .

= أن الناس كانوا يفضلون طحن الصافى من البن مخلوطا مع القشر واستخدامه لإعداد القهوة . وغالبا ما تكون قهوة خفيفة وغير مركزة فاتحة اللون لأن درجة التحميص تكون خفيفة ، عدا بعض المناطق البدوية التى يميل أهلها لتحضير القهوة العربية باستخدام حب البن الصافى فقط .

= ظلت القهوة المشروب الأكثر انتشارا بين كافة الطبقات الاجتماعية فى اليمن ، حيث تقدم فى كافة المناسبات ، حتى بدأ الشاى يتخلل حياة اليمنيين ، تلاه العصائر والمشروبات الغازية ، فأخذت القهوة تفقد مكانتها شيئا فشيئا وخاصة فى المدن ، بيد أن المشروبات الجديدة لم تغير كثيرا من طباع سكان الريف الذين استمروا على وفائهم لمشروع الآباء والأجداد .

= أنه على مدى عقود طويلة ، ظلت الأوانى المستخدمة فى اعداد وشرب وحفظ القهوة تقتصر على ما يتم صناعته محليا من أوان خشبية وخارجية ونحاسية .

- وأخيرا ، يظل فنجان القهوة ، مهما كان شكله ، عنوان محبة ، ويظل الأسلوب المتبع فى تقديمه وسيلة من وسائل التعبير عن الترحاب والحفاوة ، كما أن فنجان القهوة ، عدا عن كونه تعبيرا عن كرم الضيافة ، فإنه يحمل رسائل ذات مضامين معترف بها وبمغازيها عند كثير من أمم وشعوب العالم .

* المرجع : مصادر متعددة .