صدى الساحل - تقرير: حسين الشدادي
تطل الذكرى الـ 62 لثورة 26 سبتمبر المجيدة هذا العام، وهي تحمل في طياتها دلالات تاريخية ومعاصرة تربط بين نضال اليمنيين في الماضي والحاضر، في مواجهة الاستبداد السلالي ومحاولات العودة إلى النظام الإمامي الذي ثار عليه اليمنيون قبل أكثر من ستة عقود.
قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، عانى اليمنيون من نظام إمامي استبدادي استمر لأكثر من ألف عام، وتحديدًا في فترة حكم الإمامة الأخيرة التي هيمنت على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
كان نظام الإمامة قائماً على التمييز السلالي واحتكار السلطة في يد الأسرة الحاكمة، مما عمّق الفقر، والتخلف، والعزلة عن العالم الخارجي.
مع تزايد الوعي السياسي في البلاد، وتأثر اليمنيين بالحركات التحررية في العالم العربي، وخاصة ثورة 23 يوليو في مصر، ظهرت بوادر التمرد على النظام الإمامي.
قادت "حركة الضباط الأحرار" اليمنية التي تأثرت بالثورة المصرية حركة ثورية هدفها إنهاء الحكم الإمامي وإقامة نظام جمهوري حديث.
اندلعت ثورة 26 سبتمبر بإعلان الجمهورية وسقوط الإمام البدر بعد هجوم خاطف على دار الرئاسة في صنعاء.
وعلى الرغم من فرار الإمام إلى المناطق الشمالية، إلا أن الحلم الجمهوري كان قد تحقق بميلاد الجمهورية العربية اليمنية.
لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد انتصار سريع، بل واجهت منذ يومها الأول تحديات هائلة، تمثلت هذه التحديات في الحرب الأهلية التي استمرت لعدة سنوات بين القوى الجمهورية المدعومة من مصر والقوى الملكية التي دعمتها السعودية وبعض الدول الغربية.
استعرت الحرب بين الطرفين، حيث استخدم فيها الملكيون القبائل الموالية لهم، بينما حشدت الجمهورية قوى الجيش والمقاومة الشعبية.
استمر الصراع حتى عام 1970، حين أُعلن عن نهاية الحرب واعتراف المملكة العربية السعودية بالجمهورية اليمنية، مما أنهى بذلك مرحلة طويلة من الصراع المسلح.
إلى جانب التحدي العسكري، كانت هناك تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية، ف النظام الجمهوري الوليد كان عليه بناء دولة من الصفر، في ظل انقسامات مجتمعية وقبلية، وأوضاع اقتصادية منهارة، وبنية تحتية متخلفة للغاية، كما أن استيعاب القوى المختلفة، سواء من القبائل أو من المثقفين اليمنيين، شكل تحدياً كبيراً للنظام الجمهوري في سنواته الأولى.
رغم التضحيات الجسام التي بذلت لإسقاط النظام الإمامي وإقامة الجمهورية، عادت خلال العقدين الأخيرين قوى سلالية تحاول إحياء النظام الإمامي ولكن بثوب جديد.
مليشيات الحوثي، التي ظهرت في التسعينات ك حركة دينية شيعية تحت مسمى "أنصار الله"، تطورت لاحقاً إلى مليشيا مسلحة تحمل مشروعاً سلالياً إمامياً جديداً، يسعى إلى استعادة هيمنة الأسرة الهاشمية على الحكم في اليمن، متسترة بشعارات دينية وسياسية.
استفادت مليشيات الحوثي من حالة الضعف السياسي والاقتصادي التي شهدها اليمن بعد سنوات من الأزمات الداخلية، وخاصة بعد ما يسمى ثورة 2011 وفي 21 سبتمبر 2014، استطاعت المليشيات الحوثية السيطرة على صنعاء والانقلاب على الحكومة الشرعية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من الصراع في اليمن، الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.
مليشيات الحوثي تمثل امتداداً فكرياً وسلالياً للنظام الإمامي الذي أُسقط في 1962، حيث تستند إلى فكرة "الحق الإلهي" في الحكم، وتروج لفكر تمييزي يقوم على تفوق السلالة الهاشمية.
كما عمدت المليشيات منذ سيطرتها على صنعاء إلى تغييرات كبيرة في المناهج الدراسية، واستبدلت الرموز الجمهورية الثورية برموز سلالية، في محاولة واضحة لتغيير الهوية الوطنية.
يعيش اليمن اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والسياسية في تاريخه الحديث، حيث تتفاقم معاناة الشعب اليمني في ظل الحرب المستمرة بين الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي ومليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
هذا الصراع يهدد ليس فقط بقاء الجمهورية، بل أيضًا استقرار المنطقة بأكملها.
إلى جانب التهديد العسكري، تشكل الحرب الثقافية والفكرية التي تخوضها مليشيات الحوثي تحدياً لا يقل خطورة.
ف محاولة تغيير هوية اليمنيين وتعليمهم أفكاراً تتعارض مع قيم الثورة والجمهورية، تمثل تهديدًا مستقبلياً للأجيال القادمة.
في هذا السياق، تأتي ذكرى ثورة 26 سبتمبر ك فرصة لتجديد العهد على مواصلة النضال ضد أي محاولة لعودة الاستبداد الإمامي في أي شكل من الأشكال.
ف الثورة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت ثورة اجتماعية وثقافية غيرت ملامح اليمن بشكل جذري.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الجمهورية اليمنية اليوم، إلا أن إحياء ذكرى 26 سبتمبر يعيد التأكيد على أن قيم الحرية والعدالة والمساواة التي نادت بها الثورة لا تزال حية في قلوب اليمنيين.
إن الذكرى الـ 62 لثورة 26 سبتمبر ليست مجرد مناسبة للاحتفال، بل هي دعوة للتفكير في المستقبل ومواصلة النضال من أجل الحفاظ على مكتسبات الثورة، وحماية اليمن من محاولات إعادة إنتاج النظام الإمامي بصيغته الحديثة المتمثلة في مليشيات الحوثي.