صدى الساحل - حسين الشدادي
يشكل النظام القضائي ركيزة أساسية لتحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين، ويؤدي المحامي دوراً محورياً في هذا النظام كحلقة الوصل بين المواطنين والجهاز القانوني.
المحامي يمثل المدافع عن حقوق الأفراد والجماعات أمام القضاء، ويُعتمد عليه لضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف.
ومع ذلك، في اليمن، يواجه المحامون تحديات جسيمة تتمثل في الفساد المستشري داخل السلك القضائي، وعمليات الابتزاز التي يتعرضون لها من قبل بعض القضاة، مما يعوق قدرتهم على أداء دورهم الحيوي ويقوض نظام العدالة بأسره.
*القاضي والمحامي: علاقة شراكة أم ساحة ابتزاز؟*
بحسب القوانين اليمنية، يُفترض أن تكون العلاقة بين القاضي والمحامي علاقة احترام متبادل وتعاون من أجل تحقيق العدالة.
القاضي يقوم بدوره في تطبيق القانون بحيادية، والمحامي يقوم بدوره في الدفاع عن موكله. لكن هذه العلاقة كثيراً ما تتعرض للتشويه نتيجة تدخلات غير مشروعة من قبل بعض القضاة الذين يستغلون سلطاتهم لابتزاز المحامين، سواء مالياً أو عبر فرض ضغوط غير قانونية، ما يشكل عائقاً أمام تنفيذ المحامين لمهامهم بشكل حر ومستقل.
*أحد أبرز مظاهر الابتزاز* هو استخدام السلطة القضائية ك وسيلة لإعاقة المحامي عن أداء واجبه. فقد يلجأ بعض القضاة إلى تهديد المحامين بإجراءات تأديبية غير مبررة أو منعهم من الترافع في حالة تأخرهم عن الحضور أو لأي سبب شكلي آخر، مثلما حدث في حالات كثيرة حيث تم طرد محامين من قاعة المحكمة لأسباب تافهة، على الرغم من أن القوانين اليمنية تضمن حق المحامي في الترافع عن موكله ما لم يرتكب مخالفات جسيمة.
*التأخير في الحضور: حجة واهية لعقاب المحامين*
يُعد التأخر عن الحضور إلى قاعة المحكمة سبباً لا ينبغي أن يكون ذريعة لاتخاذ إجراءات تعسفية ضد المحامين.
نعم، الالتزام بالمواعيد جزء مهم من النظام القضائي، ولكن يجب مراعاة الظروف وتقدير الموقف قبل اتخاذ قرارات قد تضر بمصالح المتقاضين.
منع المحامي من الترافع أو طرده من المحكمة لمجرد التأخير لا يعكس سوى إساءة استخدام للسلطة القضائية، خاصة إذا كانت مثل هذه الإجراءات تتخذ دون مبرر قانوني واضح.
بدلاً من ذلك، يجب على القضاة أن يتحلوا بالمرونة وأن يعطوا المحامي فرصة لتوضيح أسباب التأخير أو معالجة الموقف بشكل يضمن حقوق المتقاضين وعدم إعاقة سير العدالة.
*الفساد وغياب الرقابة: أزمة متفاقمة*
الفساد في السلك القضائي لا يقتصر على الابتزاز المباشر للمحامين، بل يتسع ليشمل مجالات أخرى مثل التلاعب بالأحكام وتأجيل القضايا بشكل متعمد لابتزاز الأطراف أو تحقيق مصالح شخصية.
هذا النوع من الفساد يجعل النظام القضائي غير موثوق به ويضعف من ثقة المواطنين في العدالة. في كثير من الأحيان، يجد المحامون أنفسهم مضطرين إلى الرضوخ للابتزاز لضمان عدم إلحاق الضرر بموكليهم، مما يخلق دوامة من الفساد تؤثر سلباً على جميع الأطراف.
*أهمية المحامي للمواطنين والنظام القضائي*
في ظل هذه الظروف، يصبح دور المحامي أكثر أهمية من أي وقت مضى. المحامي ليس مجرد شخص يتحدث باسم المواطن في قاعة المحكمة، بل هو الجسر الذي يربط المواطن بالنظام القضائي، يشرح له حقوقه ويوجهه في مسار العدالة.
إذا تم إضعاف دور المحامي أو تقييد حريته في الترافع، فإن ذلك يعني إضعاف حق المواطن في الحصول على محاكمة عادلة والدفاع عن حقوقه.
المحامون هم المدافعون عن سيادة القانون في مواجهة السلطة القضائية، وهم الضامنون لأن يُنفذ القانون بشكل منصف وعادل. لذلك، يجب أن يُمنح المحامون الحماية اللازمة من قبل الدولة والقضاء نفسه لضمان عدم تعرضهم للابتزاز أو الضغوط غير القانونية.
*إصلاحات جذرية لمكافحة الفساد وضمان استقلالية المحامي*
أمام هذه الأزمة المتفاقمة، لا بد من اتخاذ خطوات جدية لمعالجة الفساد في السلك القضائي وضمان استقلالية المحامين.
*أولاً* يجب تطبيق قوانين المحاماة بشكل صارم وواضح، بحيث تُعاقب أي ممارسة من شأنها تقييد حرية المحامي في الترافع عن موكله.
*ثانياً* يجب على المؤسسات القضائية تعزيز الرقابة على سلوك القضاة لضمان عدم استغلال السلطة لأغراض شخصية أو ابتزاز المحامين.
أخيراً، يجب أن يتم إنشاء آليات واضحة تُمكّن المحامين من تقديم شكاوى حول أي انتهاك يتعرضون له داخل المحاكم، مع ضمان تحقيق شفاف ومستقل في تلك الشكاوى لضمان عدم إساءة استخدام السلطة من قبل القضاة.