اخبار وتقارير

السبت - 26 أكتوبر 2024 - الساعة 02:02 ص بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - كتب: حسين الشدادي




مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، بات واضحًا أن الكيان الإسرائيلي يواجه حسابات شديدة التعقيد، لا تتعلق فقط بالأوضاع الداخلية في فلسطين المحتلة بل تمتد إلى تفاعلات إقليمية معقدة، تشمل إيران ولبنان، وأخيرًا الولايات المتحدة.

تدفع هذه التعقيدات إسرائيل إلى خيارات مكلفة قد تجعلها في موقف الدفاع بدلًا من الهجوم، إذ تظهر المعطيات أنها تفتقر إلى القدرة على حسم القضايا في مختلف الساحات، وقد تجد نفسها في ورطة طويلة الأمد.

أولاً: القضية الفلسطينية والعجز عن الحسم

منذ عقود طويلة وإسرائيل تحاول القضاء على جذور القضية الفلسطينية سواء بوسائل عسكرية أو دبلوماسية، إلا أن عدم قدرتها على الترحيل القسري للفلسطينيين من أراضيهم جعل القضية الفلسطينية مستعصية على الحل، مما أدى إلى إبقاء هذا الصراع مستمرًا.

ويدرك الكيان أن استمراره في ممارسة العنف في قطاع غزة أو الضفة الغربية لا يؤدي سوى إلى زيادة معاناته على المستوى الدولي، حيث باتت مشاهد القصف وسقوط المدنيين تثير انتقادات واسعة عالميًا.

إسرائيل أرادت أن تحيل المشكلة الفلسطينية لتكون مشكلة إقليمية تخص الدول المجاورة ك الأردن ومصر، إلا أن الواقع يفرض عليها اليوم مواجهة المطالبات الدولية المتصاعدة لحل القضية، وتقديم الحلول العادلة التي تضمن الحقوق للفلسطينيين في الداخل والشتات، بعيدًا عن القوة العسكرية التي أثبتت عدم جدواها في تحقيق السلام.

ثانياً: حزب الله وورطة الجبهة الشمالية

لطالما كانت لبنان جبهة تشكل تحديًا استراتيجيًا لإسرائيل، خاصة بوجود حزب الله المدعوم من إيران.

في حين أن توجيه ضربة مباشرة للبنان أو محاولة شن حرب شاملة على الحزب يعني التورط في مستنقع عسكري جديد، لا سيما وأن الحزب يمتلك ترسانة من الأسلحة المتطورة والخبرات القتالية المتراكمة.

إن إقدام إسرائيل على وقف عملياتها العسكرية في لبنان سيُعتبر "استعصاء" أمام حزب الله، مما يعطي الحزب أفضلية سياسية وإعلامية في المنطقة.

وبالمقابل، إذا قررت إسرائيل الدخول في مواجهة واسعة في لبنان، فستكون أمام حرب طويلة المدى مع عدو يمتلك موارد كبيرة، ودعمًا لوجستيًا وعسكريًا من إيران، كما أن الرأي العام الدولي والعربي سيتأجج ضدها في حال أسفر هذا التصعيد عن المزيد من المعاناة الإنسانية في لبنان، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها هذا البلد.

ثالثاً: إيران والخيار العسكري المعقد

في الساحة الإقليمية الأوسع، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مستمرة مع إيران.

هناك خياران رئيسيان أمام إسرائيل تجاه إيران: الأول هو توجيه ضربة محدودة لإيران، وهو ما قد يُعتبر "استعصاء" ويعني عجز إسرائيل عن حسم هذا الملف؛ أما الثاني فهو توجيه ضربة شاملة، إلا أن هذا الخيار يعني تورطًا طويل الأمد لإسرائيل، وقد يؤدي إلى مواجهة إقليمية شاملة تشمل الولايات المتحدة.

ولن تكون هذه الحرب في صالح أي طرف، إذ أن إيران تمتلك قوة عسكرية كبيرة وإمكانيات حربية تُمكنها من مقاومة أي هجوم طويل الأمد، ناهيك عن قدرتها على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة.

وبالتالي، قد يكون من الأفضل لإسرائيل أن تتجنب هذا التصعيد على أمل إيجاد حلول دبلوماسية تخفف من هذا الضغط الإقليمي.

رابعاً: الموقف الأمريكي وخياراته المحدودة

يشكل الدعم الأمريكي حائط صد أمام أي ضغوطات دولية ضد إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة نفسها باتت تشعر بأن أي تصعيد عسكري ضد إيران أو حزب الله قد يجرها إلى حرب طويلة الأمد لا تتوافق مع سياساتها الاستراتيجية الحالية.

فالولايات المتحدة، التي تركز الآن على مناطق أخرى، مثل منطقة المحيط الهادئ في مواجهة التحديات الصينية، لا تريد أن تتورط في صراع مرهق في الشرق الأوسط.

كما أن الشارع الأمريكي يميل تدريجيًا نحو المطالبة بتقليل التدخلات الخارجية، خاصة بعد الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان.

إسرائيل بين خيارات صعبة وورطة طويلة الأمد

بناءً على المعطيات السابقة، يبدو أن إسرائيل تواجه مجموعة معقدة من التحديات؛ فهي غير قادرة على الحسم العسكري مع الفلسطينيين، ولا تستطيع التعامل مع حزب الله ك خصم ضعيف يمكن القضاء عليه بسهولة، كما أن مواجهة إيران قد تجرها إلى حرب شاملة تتورط فيها الولايات المتحدة في صراع غير مرغوب به.

ورغم أنها قد تلجأ إلى تصعيد الهجمات في غزة، إلا أن هذا الخيار أيضًا بات يحمل تكلفة عالية على المستوى الدولي.

أمام هذا المأزق، يبقى الحل الوحيد أمام إسرائيل هو البحث عن حلول سلمية تخفف من حدة هذه التوترات وتحافظ على مصالحها دون التورط في حروب قد تؤدي إلى إضعافها على المدى الطويل.