اخبار وتقارير

الأربعاء - 22 يناير 2025 - الساعة 12:03 ص بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - منابعة خاصة


منذ اندلاع الحرب في اليمن نتيجة انقلاب مليشيات الحوثي على الدولة ومؤسساتها، باتت السجون في البلاد مرآة للأوضاع الكارثية التي يعيشها اليمنيون. ففي مناطق سيطرة الحوثيين، تُرتكب انتهاكات مروعة بحق المعتقلين، لا تخفى على أحد. لكن الأكثر إيلامًا هو أن بعض هذه الممارسات المشينة يبدو أنها تسربت إلى السجون الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، مما يثير تساؤلات مقلقة حول مصير العدالة وحقوق الإنسان في هذه المناطق.

هذا التقرير يُلقي الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في إصلاحية السجن المركزي بمحافظة تعز، حيث يُوثّق شكاوى تتزايد يومًا بعد يوم من جرائم واستغلال تُمارس بحق النزلاء. ورغم كل ما نُشر من تقارير حقوقية وإعلامية، التي نُشرت في وقتٍ سابق، إلا أن الصمت لا يزال سيد الموقف، حيث لا حياة لمن تنادي. تتزايد الشكاوى يومًا بعد يوم، بينما تتضاعف الجرائم والانتهاكات بحق نزلاء الإصلاحية، مما يثير تساؤلات حول مصير العدالة الإنسانية والقانونية.



"الضغاطة": سجن انفرادي وعقوبات قاسية

يشير السجناء في إصلاحية تعز إلى استخدام ما يُعرف بـ"الضغاطة"، وهو سجن انفرادي يُستخدم كعقوبةٍ تأديبية. وفقًا لشهادات متعددة، يُجبر النزلاء على البقاء في ظروفٍ قاسية، حيث يُحرمون من الأساسيات، ولا يُفرج عنهم إلا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 100,000 أو 200,000 ريال يمني، مما يعكس استغلالًا واضحًا لوضعهم الإنساني.


السجين سامي الشيباني، المعيّن من قِبل إدارة السجن مسؤولًا عن أحد "العنابر"، يلعب دورًا محوريًا في هذه الانتهاكات، إذ يقوم بدور الوسيط بين الإدارة والسجناء الواقعين تحت الضغط. تُوجَّه له اتهامات بارتكاب جرائم متكررة بحق السجناء، منها الابتزاز والاعتداء الجسدي، بينما تلتزم الإدارة الصمت عن هذه الانتهاكات، مستفيدةً من دوره في فرض سيطرتها داخل السجن واستغلال النزلاء ماليًا.



فساد إداري واستغلال مالي

تفيد تقارير بأن المطاعم والبوفيهات داخل السجن تُؤجَّر من قِبل مدير السجن، العقيد عصام الكامل، مما يُحمل السجناء أعباء مالية وأسعارًا خيالية وكأنها خدمات في فنادق سياحية. بالإضافة إلى ذلك، يُدير أحد أتباع مدير السجن متجرًا خاصًا يتم من خلاله بيع المواد الغذائية بالجملة للمتاجر الأخرى داخل الإصلاحية، بأسعار خيالية تُضاف على أعباء السجناء، في حين يُمنع التبضع من خارج السجن، مما يعكس احتكارًا ممنهجًا يفاقم من معاناتهم.


إلى جانب ذلك، يشير سجناء إلى تورط موظفين آخرين في استغلالهم وفرض جبايات غير قانونية، بينما تتجاهل الإدارة كافة الشكاوى المقدمة ضدهم.



ابتزاز حراس البوابة لأسر السجناء

يتعرض ذوو السجناء، عند زيارة أقاربهم داخل الإصلاحية، لممارسات ابتزاز من قِبل مناوبي حراسة البوابة. يشترط الحراس دفع مبالغ مالية للسماح بالزيارة، كما يقومون بمصادرة أو تقليص الأمتعة والطعام الذي يُحضر للسجناء. هذه الممارسات تُفاقم معاناة السجناء، خصوصًا أولئك الذين لا يحصلون على دعم كافٍ من أسرهم بسبب الظروف الاقتصادية.



معاناة متفاقمة من سوء التغذية والرعاية الصحية

غالبية السجناء يعيشون حالاتٍ نفسية ومرضية بسبب الانتهاكات والجوع وسوء النظافة، حيث تعاني الإصلاحية من انعدام المياه ونقصٍ شبه تام في الغذاء. وفقًا لتقارير حقوقية، تبلغ الميزانية المقررة لتوفير ثلاث وجبات غذائية للسجين الواحد يوميًا 750 ريالًا فقط، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتوفير وجبة واحدة.

وكشفت مذكرة رسمية صادرة أواخر العام الماضي عن مدير السجن المركزي، المقدم عصام الكامل، إلى رئيس نيابة استئناف المحافظة، أن السجن يعاني من نقصٍ حاد في المخصصات الغذائية والصحية.

وأوضحت المذكرة أن عدد السجناء الحالي يقارب 1100 سجين، في حين أن السعة الاستيعابية الطبيعية لا تتجاوز 600 سجين، مما يؤدي إلى تزايد الأمراض وانتشار العدوى.

وأضافت المذكرة أن السجناء كبار السن يعانون من الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى حالات مرضية مستعصية بين النزلاء، فضلًا عن وجود جرحى وأشخاص يعانون من اضطراباتٍ نفسية حادة.



اعتراضات النيابة على قرارات الإفراج

على الرغم من صدور أحكامٍ قضائية بالإفراج عن بعض السجناء بضماناتٍ قانونية، إلا أن النيابة العامة تعترض بشكلٍ متكرر على تنفيذ هذه القرارات، مما يؤدي إلى استمرار احتجاز السجناء دون مبرر قانوني. ويشير تقرير من شبكة "محامون ضد الفساد" إلى أن النيابة سبق أن أثبتت قدرتها على التخفيف من ازدحام السجون أثناء جائحة كورونا، لكنها الآن تتجاهل القوانين التي تفرض الإفراج الوجوبي عن بعض السجناء.


ورغم حقيقة شكاوى إدارة السجن من الأوضاع المزرية ونقص الموارد المالية والغذائية، إلا أن هذه الشكاوى لا تشفع للنزلاء أمام الانتهاكات والابتزاز المستمر الذي يتعرضون له داخل السجن. فبدلًا من تحسين أوضاع السجناء، تُستخدم هذه الظروف كذريعةٍ لفرض مزيدٍ من الضغوط واستغلالهم ماديًا ومعنويًا، ناهيكم عن انتهاك حقوقهم القانونية من قبل النيابة، دون استشعار أي ضميرٍ بالمسؤولية تجاه أوضاعهم وشكاواهم.



حالات انتحار داخل "الضغاطة"

أفادت تقارير حقوقية بوقوع حالات انتحار داخل "الضغاطة" في إصلاحية تعز خلال العام الماضي، نتيجةً للضغوط النفسية والمعاملة القاسية التي يتعرض لها السجناء. من بين هذه الحالات، تم توثيق حالتي انتحار، مما يسلط الضوء على خطورة الأوضاع داخل السجن.


دعوات لتحرك عاجل

ومن المؤسف أن نجد الانتهاكات في السجون حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مما يعكس فشلًا إداريًا يتطلب حلولًا جذرية لمواجهة الفساد وإعادة هيكلة النظام الإداري في الإصلاحية. استمرار هذه الانتهاكات دون رادع يتطلب تحركًا عاجلًا من قبل السلطات لضمان حقوق السجناء وتحقيق العدالة الإنسانية والقانونية لهم.