الثلاثاء - 28 يوليه 2020 - الساعة 09:49 م
قيام المتوكلية اليمنية بحاجة إلى إعادة قراءة. فالإمام يحيى حميد الدين في صلح دعان 1905 قُدِّمَ كإمام طائفة، وليس كوالي لليمن. الحروب الجائرة التي خاضتها الإمامة حملت الأبعاد الأكثر تخلفاً وجهلاً. كانت القوة والتوحش والغلبة هي الأساس، وبالأخص في حروب تهامة ضداً على الزرانيق.
المأساة في الحالة اليمنية عموماً أن الأكثر همجية وبداوة كان هو المنتصر دوماً في جل الحروب منذ قيام المتوكلية اليمنية، وهي السمة الغالبة في الحروب كقراءة عالم الاجتماع ابن خلدون.
حكم الغلبة، سواء عبر المتوكلية اليمنية، والذي هو نفي لقيم المواطنة والمساواة، أو الاستعمار البريطاني في الجنوب المهين للكرامة الوطنية- ظل سائداً ومتغلغلاً حتى بعد قيام الثورة اليمنية سبتمبر 62، وأكتوبر 63، ولكن علينا أن ندرك أن ما حدث في اليمن كوم، وما حدث ويحدث في تهامة كوم آخر؛ فتهامة بشهادة مفكرين وأحرار عديدين، بل هو واقع الحال، حُرِمت من حق المواطنة، وعوملت كمنطقة تابعة أو قاصرة. تعومل معها كأرض خراجية ملكيتها للدولة، وإنسانها أجير؛ لأنها أرض مفتوحة، وظل هذا الأمر الموروث من ترسانة الإمامة قائماً حتى اليوم، وربما تفاقم في السنين الأخيرة.
تهامة بلد السلام، ومنطقة آمنة، وسلة غلال اليمن كلها - تعومل معها في مختلف العهود بدونية وانتقاص. كان الإمام أحمد بعد 1955 يجد فيها الملاذ والملجأ، وكان المشير عبد الله السلال، وقد عرفها جيداً، يلوذ بها، وكذلكم القاضي عبد الرحمن الإرياني أيضاً، وكان يمكن لها أن تكون حرماً أو حوطة أو هجرة للأطراف المتحاربة كلها.
قدم قادة سياسيون، ومشايخ، وأصحاب رأي وجهة نظر إلى الأطراف المتحاربة؛ لتجنيب تهامة ويلات الحروب؛ فخيرات وديانها تغذي اليمن كلها، كما أن البضائع والمواد الأساسية والمشتقات النفطية تتزود بها جل محافظات اليمن. اتفاق استوكهلم الذي لم ينفذ كان ينبغي أن يحقق السلام في تهامة، وأن يكون بوابة للسلام في عموم اليمن.
الحرب في اليمن أصبحت تهديداً لأمن المنقطة كلها، وتهدد الأمن والاستقرار عامة، ولكن المهووسين بالحروب، والمصابين بوباء الغلبة والانتصار بالدماء أبوا إلا الاحتكام إلى خيارهم الوحيد - الحرب.
معاناة تهامة، وأهلها الطيبون المشردون داخل وطنهم، والمحاصرون بحراً وجواً تفوق الوصف؛ فالصيادون محرومون من الصيد، وهم آلاف مؤلفة، والمزارعون مدمرة مزارعهم، ومحروقة أرضهم، وأهلها مسلوبو الإرادة، ومحرومون من أبسط حقوق المواطنة، بل من حق الحياة الآمنة المستقرة.
القتلى من المجاعة، والأوبئة الفتاكة لا يقلون عن قتلى الحرب. خيار السلام المعاق والمعطل يبدأ من تهامة؛ فالتوافق على حل سياسي لا بد أن تكون ركيزته الأساس تهامة اليمن، وأن يتاح لأبنائها المسالمين المشاركة في صنع السلام الذي تبنوه ودعوا إليه منذ البدء، وقبل أن تحيق الكارثة بالجميع، وأن يكونوا مشاركين في كل مراحل الحل السياسي الشامل.
التوحيد بالقوة لم يعد له أفق. ليس في اليمن فحسب، وإنما عربياً ودولياً. أبناء تهامة المغبونون قبل إخوانهم اليمنيين في الشمال والجنوب، والذين عانوا القهر والتميز والإقصاء يدعون مخلصين صادقين لسلام عام وشامل، ولتحاور يعيد صياغة الحياة السياسية بروح التكافؤ والندية، والمواطنة المتساوية، والاختيار الحر والديمقراطي لليمن الجديد.