صدى الساحل - تقرير: حسين الشدادي
في تطور خطير يعكس أبعاد التحالف المتزايد بين روسيا وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، كشفت تقارير صحافية أن مئات اليمنيين جُندوا للقتال في أوكرانيا لصالح الجيش الروسي.
هذه الجهود، التي يقف خلفها قيادات حوثية بارزة، تعكس تحالفًا عسكريًا وسياسيًا بين موسكو وطهران والجماعات المسلحة الموالية لها، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
تجنيد تحت مظلة الخداع
بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، يتم استدراج اليمنيين بوعد وظائف ذات رواتب مجزية في روسيا، إضافة إلى مغريات مثل الجنسية الروسية.
ومع ذلك، فإن الواقع مختلف تمامًا فبمجرد وصول هؤلاء الأفراد إلى روسيا، يتم إجبارهم على توقيع عقود مكتوبة باللغة الروسية لا يستطيعون قراءتها، قبل أن يُنقلوا قسرًا إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا.
“وُعدت بعمل مربح في مجال الأمن، لكنني وجدت نفسي في ساحات القتال بعد بضعة أسابيع فقط”، يقول نبيل، أحد اليمنيين الذين وقعوا ضحية لهذا الخداع. شهادات أخرى أشارت إلى ضغوط نفسية وجسدية هائلة تعرض لها المجندون، بما في ذلك تهديدهم بالقتل عند رفضهم توقيع العقود.
سياسة ممنهجة تديرها قيادات حوثية
التقارير كشفت أن عمليات التجنيد تُدار من خلال شركة وهمية مسجلة في سلطنة عمان تحت مسمى شركة سياحية ومورد للمعدات الطبية، يديرها عبد الولي عبده حسن الجابري، وهو سياسي حوثي بارز.
الجابري، الذي يعد من أبرز الشخصيات القيادية في الجماعة، يواجه حكمًا بالإعدام صادرًا عن محكمة عسكرية يمنية معترف بها دوليًا لدوره في الانقلاب الحوثي عام 2015.
وتشير التقارير إلى أن عمليات التجنيد بدأت في يوليو الماضي، واستهدفت بشكل رئيسي الشباب اليمنيين الذين يعانون من البطالة والفقر، مستغلين حاجتهم الماسة للمال وسط ظروف اقتصادية خانقة في اليمن.
دلالات التحالف الروسي-الحوثي
إن عمليات تجنيد اليمنيين للقتال في أوكرانيا تبرز جانبًا آخر من التحالف المتزايد بين روسيا وإيران والجماعات المسلحة الموالية لها في المنطقة.
فبحسب دبلوماسيين أمريكيين، توفر روسيا بيانات استهداف للحوثيين، وتجري مباحثات لتزويدهم بأسلحة متقدمة، بما في ذلك صواريخ مضادة للسفن.
هذه العلاقة تأتي في سياق سعي روسيا لتوسيع دائرة نفوذها في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، وتعزيز علاقاتها مع جماعات معادية للولايات المتحدة وحلفائها.
محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للحوثيين، أكد في تصريحات سابقة أن الجماعة على “اتصال دائم” مع القيادة الروسية لتطوير العلاقات في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون العسكري.
معاناة المجندين اليمنيين في أوكرانيا
أوضحت شهادات اليمنيين الذين تم تجنيدهم قسرًا أن الظروف في أوكرانيا صعبة للغاية.
أحد المجندين ظهر في فيديو يقول: “نحن تحت القصف، الألغام تحيط بنا، والطائرات بدون طيار لا تتوقف عن استهدافنا”.
وأشار إلى أن أحد زملائه حاول الانتحار بسبب الظروف النفسية القاسية التي يعيشونها.
في شهادة أخرى، قال مجند يدعى عبد الله إنه خُدع بوعود مالية كبيرة وجنسية روسية.
لكن بعد وصوله إلى روسيا، وُضع مسدس على رأسه لإجباره على توقيع عقد التجنيد.
وأضاف: “لم نحصل حتى على التدريب العسكري المناسب قبل أن يتم إرسالنا إلى ساحات القتال”.
الدوافع الروسية والخطورة الإقليمية
بحسب خبراء، فإن روسيا تلجأ إلى استقطاب مرتزقة أجانب لتجنب إعلان التعبئة العامة في الداخل الروسي، خاصة في ظل ارتفاع أعداد القتلى الروس في أوكرانيا.
ويشير المحلل الروسي أوليغ إغناتوف إلى أن المغريات المالية والجنسية الروسية هي الدافع الرئيسي لاستقطاب المرتزقة، مستغلين ظروف الفقر والصراعات في دول مثل اليمن.
من جهتها، ترى المحللة الروسية آنا بورشفسكايا أن تحركات الحوثيين لنقل مقاتلين يمنيين إلى أوكرانيا ليست مجرد نشاط جانبي، بل جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز التحالفات مع روسيا وإيران، بهدف توسيع نفوذهما في المنطقة.
تداعيات التحالف على اليمن والمنطقة
إن علاقة الحوثيين بروسيا تعكس تحولًا خطيرًا في طبيعة النزاع اليمني.
فبدلًا من كونه صراعًا داخليًا، باتت الجماعة أداة في يد إيران وروسيا لتحقيق أجنداتهما الإقليمية والدولية.
هذا التحالف يهدد استقرار اليمن ويعزز قدرة الحوثيين على استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، مما يستدعي استجابة دولية حازمة لوقف هذه الأنشطة.
في هذا السياق، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إن التقارب بين روسيا والحوثيين “يثير القلق”، خاصة مع تورط روسيا في تقديم الدعم العسكري للجماعة.
وأضاف أن واشنطن تراقب هذه التحركات عن كثب وستعمل مع حلفائها للتصدي لها.
وتشكل عمليات تجنيد اليمنيين للقتال في أوكرانيا فصلًا جديدًا في معاناة الشعب اليمني، حيث يتم استغلالهم من قبل قيادات حوثية لتمويل أجندات خارجية على حساب أرواحهم وكرامتهم.
إن فضح هذه الأنشطة ووقفها يعد ضرورة ملحة لحماية اليمنيين من هذه الاستغلالات، ووضع حد لتحالفات الحوثيين التي تعمق أزمات اليمن وتزيد من تهديداتها الإقليمية والدولية