صدى الساحل - تغطية - خليل السفياني
في مشهد يعكس الروحانية والتآلف، احتشد الآلاف من محبي وأتباع الطريقة الصوفية والعامة من الناس، في منطقة يفرس، مركز مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، لإحياء الحولية السنوية للشيخ أحمد بن علوان، العالم الصوفي الذي يُعد من أبرز رموز التصوف الإسلامي في اليمن.
وتوافد المشاركون صباح يوم الخميس، من مختلف محافظات اليمن، لإحياء الذكرى السنوية، التي تقام سنويًا في منتصف شهر رجب من كل عام، لهذا العارف بالله، حاملين معهم مشاعر الولاء والمحبة لهذا الإرث الروحي والإنساني العريق.
وشهدت الفعالية مسيرة شعبية حاشدة انطلقت من مفرق مركز يفرس إلى جامع وضريح الشيخ أحمد بن علوان، حيث سار المشاركون على الأقدام مرددين الأذكار والقصائد الصوفية التي تمجد إرث الشيخ العارف بالله.
وأظهرت المسيرة مدى التعلق الشعبي بسيرة الشيخ أحمد بن علوان، الذي مثلت دعوته الروحية والزهدية منهجًا قويمًا للإصلاح الاجتماعي.
وفي مقدمة المسيرة، ألقى السيد العلامة الشيخ محمد أحمد السروري كلمة أكد فيها أهمية إحياء هذا الحدث الديني باعتباره مناسبة لترسيخ القيم الروحية التي كان الشيخ أحمد بن علوان يدعو إليها، لا سيما في أوقات تشتد فيها الحاجة إلى التسامح والمحبة.
وعند وصول المسيرة إلى الجامع العلواني، انطلقت سلسلة من الفعاليات الدينية التي تضمنت المناسبة، وكما جرت العادة، شهدت الفعالية إعداد ولائم كبيرة للضيوف، حيث تم ذبح عدد من الثيران وتقديم الغداء للحضور، في تقليد يمني يعكس كرم الضيافة والتكافل الاجتماعي، ويبرز كرم وإخلاق ابناء يفرس.
وفي تصريحات صحفية عن المناسبة الدينة، قال عاقل عقال مديرية جبل حبشي، عوض أمين الأهدل: "إن إحياء هذه الحولية يؤكد القيم التي نشرها الشيخ أحمد بن علوان في حياته، كالتسامح والمحبة التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم.
واشار الى ان هذا الحضور الكبير، لهذه المناسبة دليل على تأثيره المستمر في النفوس وعلى مكانته العظيمة في قلوب اليمنيين، منذ قرون مضت ."
وأضاف قائلاً: "وهذا الحضور الملفت أمام أعينكم، الذي يعكس تنوع المشاركين من مناطق مختلفة من اليمن، ولم يقتصر الحضور على المتصوفون والمحبون للشيخ من حضرموت الخير، كتب الله سعيهم وكل من حضر، وجميع هؤلاء الذين توافدون، بتوفيق من الله، وحبه لهذا العارف بالله، كما قال تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة." وهذه تعتبر كرامة من الله لهذا الولي الذي امضى حياته بالزهد والورع لحب الله .
من جانبه، أكد القاضي عبدالرحمن أحمد شراف الدين أن "إرث الشيخ أحمد بن علوان يمثل دعوة إلى العدالة والمحبة والإصلاح الاجتماعي، وإحياء حوليته يعيد التأكيد على أهمية هذه القيم في زمن يموج بالصراعات والانقسامات."
كما أشار الشيخ عمر أحمد الشدادي إلى أن "الحولية ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي رسالة روحية تعزز الوحدة والسلام بين اليمنيين. الشيخ أحمد بن علوان كان وما زال رمزًا جامعًا لكل الأطياف، ومحبة الناس له تعكس قوة التصوف كمنهج يوحد القلوب."
وأضاف الشدادي أنه يقام فيها محاضرات تتناول سيرة الشيخ أحمد بن علوان وتعاليمه. وتابع قائلاً: "كما تم تنظيم حلقات ذكر وإنشاد صوفي امتدت حتى ساعات متأخرة من الليل."
وتخللت المناسبة أجواء مفعمة بالروحانية، حيث عُقدت حلقات ذكر وإنشاد صوفي امتدت حتى ساعات متأخرة من الليل. كما نظمت مجالس الموالد التي استقطبت الحاضرين من كافة الأعمار، في استعادة لتراث التصوف الذي كان الشيخ أحمد بن علوان أحد أبرز رواده.
و رغم الأجواء الروحانية التي ميزت الحولية، إلا أنها أثارت بعض الجدل بين التيارات الفكرية المختلفة. حيث اعتبر بعض المنتقدين من التيارات السلفية أن هذه الممارسات ترتبط بمفاهيم التبرك والتوسل التي يعارضونها.
لكن المشاركين في الحولية يرونها فرصة لإحياء إرث الشيخ أحمد بن علوان، وتجديد الارتباط بالقيم الروحية التي تمثل التصوف الإسلامي المعتدل.
وفي هذا السياق، علق الكاتب الصحفي البارز محمد محمد السفياني في منشور له بعنوان "ابن علوان بين الجماعي والحولية"، مشيرًا إلى أن الشيخ أحمد بن علوان كان نموذجًا فريدًا في الجمع بين العلم والتصوف، وأن الحولية تعد موروثًا ثقافيًا ودينيًا يعكس مكانة التصوف في اليمن والعالم الإسلامي.
وتظل حولية الشيخ أحمد بن علوان شاهدًا حيًا على قدرة التصوف اليمني على تجاوز الزمن، بما يحمله من قيم التسامح والمحبة والوحدة. ومع كل عام، تعيد يفرس إحياء هذا الحدث الديني لتذكير اليمنيين بإرث هذا العالم الجليل الذي ترك بصمة خالدة في حياتهم الروحية والاجتماعية.
وفي وقت تتزايد فيه التحديات، تبقى الحولية رمزًا للأمل، وشعلة مضيئة تعزز قيم التصالح والوئام، وتعيد للأذهان أهمية الإرث الصوفي في تحقيق السلام والتسامح بين الناس.