كتابات وآراء


الأحد - 16 مارس 2025 - الساعة 09:43 م

كُتب بواسطة : الإعلامي / منور مقبل - ارشيف الكاتب






في أزمنة الصراعات الكبرى، حين تتشابك المصالح الدولية وتتقاطع الأجندات الإقليمية، يصبح من السهل أن تُغرق الشعوب في وهم المساعدة الخارجية، وأن تُعلق آمالها على قوى لا ترى في معاناتها سوى فرصة لتحقيق مكاسبها الخاصة. اليمن، هذا الوطن الذي يئن تحت وطأة مشروع طائفي كهنوتي يسعى لطمس هويته، لا يحتاج إلى وعود زائفة أو ضربات عابرة من قوى خارجية، بل يحتاج إلى يقظة أبنائه، إلى إدراكهم أن خلاصهم لن يأتي إلا من الداخل، وأنهم وحدهم القادرون على مواجهة هذا الخطر الداهم.

يقف اليمنيون اليوم أمام مفترق طرق حاسم، حيث تتشابك خيوط التاريخ مع حاضر مليء بالتحديات والصعاب. في ظل هذه الأزمات المتلاحقة، تتوالى الوعود الخارجية، وتُطلق الضربات العسكرية من هنا وهناك، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن لليمنيين أن يعوّلوا على هذه التدخلات الخارجية، أم أن خلاصهم يكمن في أيديهم وحدهم؟

يقول التاريخ إن التدخلات الخارجية نادرًا ما كانت لصالح الشعوب، بل غالبًا ما كانت تُستخدم كأدوات لتحقيق أجندات سياسية واقتصادية. الضربات الأمريكية، التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب أو غيره، ليست سوى انعكاس لمصالح دولية متشابكة لا علاقة لها بجوهر القضية اليمنية. هذه الضربات، مهما كانت قوتها، لا تحمل في طياتها حلاً جذريًا لمأساة اليمن، ولا يمكنها أن تكون البديل عن إرادة الشعب اليمني. الاعتماد على الخارج هو وهم يُباع في أسواق السياسة، لكنه لا يشتري لليمنيين حريتهم ولا يعيد لهم كرامتهم ودولتهم المسلوبة.

هذه الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية، مهما بدت في ظاهرها موجهة ضد الحوثي، هي في جوهرها اختراق للسيادة اليمنية وانتهاك لكرامة الوطن. الحوثي وأمريكا وإيران جميعهم أطراف في لعبة لا تهتم بمصير اليمن، بل تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة. الحوثي يكرس مشروعه الطائفي السلالي، وإيران تدعمه لتحقيق نفوذها الإقليمي، وأمريكا تتدخل وفق مصالحها الاستراتيجية دون اكتراث حقيقي بمعاناة الشعب اليمني.

قد تبدو هذه التدخلات في ظاهرها دعمًا للقضية اليمنية، لكنها في جوهرها ليست سوى مسكنات مؤقتة. هذه الضربات لا تستهدف القضاء على جذور المشكلة، بل تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية تخدم مصالح الدول الكبرى. اليمنيون وحدهم يدركون عمق الجرح الذي أحدثته جماعة الحوثي في جسد الوطن. وحدهم يعرفون كيف تحولت هذه الجماعة إلى أداة لتمزيق النسيج الاجتماعي، وإلى ذراع لمشروع فارسي يسعى إلى تقويض الهوية اليمنية. لا أحد، مهما كانت نواياه، يستطيع أن يفهم هذا الألم كما يفهمه اليمنيون أنفسهم. ولا أحد، مهما كانت قوته، يستطيع أن يضع حدًا لهذا المشروع إلا إرادة اليمنيين.

إن الاعتماد على الخارج هو بمثابة تسليم زمام المصير إلى أيدٍ لا تعرف سوى لغة المصالح. لكن الاعتماد على الذات هو الطريق الوحيد للخلاص. اليمنيون، بتاريخهم العريق وإرثهم الحضاري، يمتلكون من القوة والإرادة ما يكفي لمواجهة أي تحدٍ. هذه الأرض التي أنجبت ملوك سبأ وحمير قادرة على أن تنهض من جديد إذا ما توحد أبناؤها وأدركوا أن خلاصهم بأيديهم. الحوثي، الذي يدّعي مقاومة "الاستكبار العالمي"، ليس سوى أداة في يد مشروع إقليمي يسعى لفرض هيمنته على المنطقة. وأمريكا، التي تدّعي محاربة الإرهاب والوقوف إلى جانب الشعوب المضطهدة، ليست سوى قوة تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية دون اكتراث بحياة اليمنيين أو معاناتهم. وهنا يصبح من الضروري أن يدرك اليمنيون أن قضيتهم لا يمكن أن تُحل إلا بأيديهم، وأن الاعتماد على الخارج لن يؤدي إلا إلى مزيد من التبعية والانقسام.

لا يحتاج اليمنيون إلى ضربات أو تدخلات خارجية. اليمنيون بحاجة إلى استعادة الثقة بأنفسهم، وإلى إدراك أن قوتهم تكمن في وحدتهم. لا يمكن لأي قوة خارجية أن تحقق ما يمكن أن تحققه إرادة الشعب. اليمن بحاجة إلى أبنائه، إلى رجال ونساء يؤمنون بأن الوطن يستحق التضحية، وأن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع. وحدهم اليمنيون يستطيعون أن يقفوا في وجه هذه المليشيا المارقة، وأن يضعوا حدًا لمشروعها التخريبي. وحدهم يستطيعون أن يعيدوا لليمن وجهه الحقيقي، بعيدًا عن كل محاولات التشويه والتمزيق.

لا يمكن لليمنيين أن يستعيدوا دولتهم إلا بإرادتهم. الضربات الخارجية قد تكون جزءًا من المشهد، لكنها ليست الحل. الحل يكمن في الداخل، في قلوب اليمنيين وعقولهم. وحدهم يستطيعون أن يكتبوا فصلًا جديدًا في تاريخ هذا الوطن، فصلًا عنوانه الكرامة والحرية. الاعتماد على الذات هو السبيل الوحيد لتحقيق النصر والخلاص من هذا المشروع الكهنوتي. اليمنيون، الذين أثبتوا عبر تاريخهم أنهم شعب لا يُقهر، قادرون على تجاوز هذه المحنة إذا ما توحدوا ووقفوا صفًا واحدًا في مواجهة هذا المشروع الطائفي. يجب أن يدركوا أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن خلاصهم لن يأتي إلا من داخلهم. لا أمريكا ولا أي قوة خارجية تستطيع أن تنقذ اليمن، لأن هذه القوى لا ترى في اليمن سوى ساحة لتحقيق مصالحها.

يجب أن تكون رسالتنا واضحة: نحن أصحاب هذه الأرض، ونحن من سيقرر مصيرها. لن نعول على أحد، ولن ننتظر من الخارج أن يحل مشاكلنا. نحن من سيواجه الحوثي، ونحن من سيعيد بناء اليمن. هذه المعركة هي معركتنا، وهذه الأرض هي أرضنا، وهذا الوطن هو وطننا. علينا أن نؤمن بأنفسنا، وأن نثق بقدرتنا على تحقيق النصر. وحدتنا هي سلاحنا، وإرادتنا هي قوتنا، ومستقبلنا هو مسؤوليتنا. اليمن تستحق التضحية، ونحن قادرون.