اخبار وتقارير

السبت - 05 أكتوبر 2024 - الساعة 11:51 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - تقرير: حسين الشدادي

في الوقت الذي يحتفي فيه العالم باليوم العالمي للمعلم في الخامس من أكتوبر من كل عام، يعيش المعلمون في اليمن واقعاً مختلفاً تماماً، حيث يتفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي إلى حد كبير، ما جعل من مهنة التدريس واحدة من أكثر المهن التي تعاني نتيجة تداعيات الحرب المستمرة منذ سنوات.

في ظل هذا الصراع، تعرض قطاع التعليم لأضرار كبيرة، مع تجاهل حقوق المعلمين وعدم اهتمام الجهات المعنية بتحسين ظروفهم المعيشية.

هذا التقرير يسلط الضوء على التحديات اليومية التي يواجهها المعلمون اليمنيون وطلابهم في خضم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

واقع التعليم في اليمن قبل الحرب


قبل اندلاع الحرب، كان التعليم في اليمن يتمتع باستقرار نسبي، وكان المعلم قادراً على ادخار جزء من راتبه لشراء منزل أو قطعة أرض، كما كانت الكتب المدرسية متوفرة والمناهج الدراسية موزعة بشكل منتظم. وقد كانت الرواتب في ذلك الوقت تتيح للمعلمين حياة كريمة، حيث كان المعلم اليمني يتقاضى ما يعادل ألف ريال سعودي شهرياً.

هذا الراتب كان كافياً لتلبية احتياجات الأسرة اليمنية المتوسطة.

إلا أن هذه الأوضاع المستقرة بدأت تتدهور بشكل حاد مع اشتداد الحرب، حيث تضررت البنية التحتية للمدارس، وتعرضت بعض المباني التعليمية للتدمير أو الأضرار الجسيمة.

في الوقت نفسه، توقفت رواتب المعلمين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ عام 2016، مما تسبب في أزمة رواتب كبيرة أثرت على آلاف المعلمين وأسرهم.

أزمة الرواتب وتدهور العملة

مع تصاعد الصراع، تأثرت القطاعات الحكومية، بما في ذلك قطاع التعليم ونتيجة لنقل البنك المركزي إلى مدينة عدن الجنوبية، توقفت رواتب المعلمين في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، بينما استمرت الحكومة المعترف بها دولياً في دفع الرواتب للمعلمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وإن كانت هذه الرواتب زهيدة ولا تتناسب مع الارتفاع الجنوني في الأسعار وتدهور العملة المحلية.

حالياً، يتقاضى المعلم في المناطق الحكومية ما يقارب 90 ألف ريال يمني، وهو ما يعادل حوالي 47 دولاراً أمريكياً، ما يجعل هذا الراتب غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى.

وقد وصف العديد من المعلمين هذا الوضع بالمأساوي، حيث أجبرتهم الظروف المعيشية القاسية على البحث عن مصادر دخل إضافية خارج مجال التدريس، فيما لجأ البعض إلى تقاسم رواتبهم مع متطوعين لتأمين درجة وظيفية دون الحاجة إلى الالتزام بالدوام.

النقص في الكادر التعليمي


لم يقتصر الضرر على الرواتب فقط، بل أُصيبت المدارس أيضاً بنقص حاد في الكادر التعليمي.

يعود هذا النقص إلى عدة أسباب، أبرزها تقاعد عدد كبير من المعلمين وعدم توظيف كوادر جديدة منذ أكثر من عشر سنوات.

كما أن الحرب أجبرت الآلاف من المعلمين على النزوح، ما أدى إلى ترك العديد من المدارس خالية من المدرسين.

وللتغلب على هذا النقص، تلجأ العديد من المدارس إلى جلب متطوعين من خريجي الثانوية العامة أو حتى المتقاعدين لتغطية العجز في الحصص الدراسية، وخاصة في المواد الأساسية مثل اللغة الإنجليزية.

لكن هذه الحلول المؤقتة لا تزال غير كافية لسد الفجوة التعليمية المتزايدة.

تأثير الحرب على الطلاب


في خضم هذا الوضع المتدهور، يواجه الطلاب بدورهم تحديات هائلة.

وفقاً لتقارير البنك الدولي، فإن أكثر من 2.4 مليون طفل في اليمن خارج نطاق التعليم، بينما يحتاج حوالي 8.5 ملايين طفل في سن الدراسة إلى مساعدات إنسانية.

ونتيجة لذلك، شهدت نسبة التسرب المدرسي ارتفاعاً كبيراً، حيث أصبح العديد من الأطفال يتجهون إلى العمل للمساهمة في دخل أسرهم، أو حتى الانخراط في الجبهات القتالية.

تقرير البنك الدولي الصادر في فبراير 2023 أشار إلى أن "النفقات المطلوبة لتوفير الغذاء وغيرها من المصروفات المرتبطة بالمدارس تؤدي إلى منع العديد من الأسر من إرسال أطفالها إلى المدرسة"، ما يعكس عمق الأزمة التعليمية في البلاد. كما أن ثلث المنشآت التعليمية في اليمن تعرضت لأضرار جسيمة أو للتدمير الكامل، ما جعل التعليم في البلاد شبه متوقف في بعض المناطق.

غياب الحلول ونداء المعلمين


على الرغم من المطالبات المستمرة من قبل المعلمين والجهات المعنية، لم يتم تقديم حلول عملية لتحسين أوضاعهم.

حيث دعت النقابات التعليمية الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لتحسين أوضاع المعلمين، بداية بصرف بدل غلاء معيشة عاجل وإعادة النظر في هيكل الأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار.

كما طالبوا بتنفيذ قانون التأمين الصحي للموظفين وعائلاتهم، كخطوة لتخفيف العبء المادي على المعلمين.

أن الأزمة التعليمية في اليمن تتجاوز قضية الرواتب والنقص في الكادر التعليمي إلى أزمة أكبر تتعلق بانهيار شامل للمنظومة التعليمية.

المعلمون يعانون، والطلاب محرومون من التعليم، والمدارس مدمرة أو مغلقة، بينما يظل مستقبل الأجيال الجديدة مهدداً.

إن تحسين أوضاع المعلمين والتعليم في اليمن يتطلب جهوداً جماعية دولية ووطنية عاجلة لإعادة بناء هذا القطاع الحيوي الذي يمثل أساس أي تنمية مستدامة في البلاد.