صدى الساحل - تقرير:حسين الشدادي
تعز، المدينة التي لطالما اعتُبرت قلعة الثقافة اليمنية ومنارة للهوية الوطنية، تواجه اليوم تحديًا ثقافيًا يهدد موروثها الحضاري والاجتماعي، فقد باتت الأعراس في المدينة تشهد انتشارًا متزايدًا لما يُعرف بـ"لباس العكفة"، وهو الزي التقليدي الذي ارتبط تاريخيًا بالطبقة الحاكمة خلال فترة الإمامة في اليمن، هذا اللباس، الذي كان يُرمز به إلى التبعية والخضوع لسلطة الإمام، بات الآن يظهر كزي رسمي للعريس التعزي، مما أثار جدلاً واسعًا حول الدلالات الثقافية والسياسية لهذا التحول.
تاريخ لباس العكفة ودلالاته
يرتبط لباس العكفة بالحقبة الإمامية في اليمن، حيث كان يُعتبر رمزًا للولاء والطاعة للنظام الحاكم، كان العكفي يرتدي معطفًا داكن اللون مع سلاح تقليدي (الجنبية والبندقية)، ويُعرف بخضوعه التام للأوامر، وقد كان هذا اللباس جزءًا من نظام اجتماعي وسياسي يقوم على التمييز الطبقي، حيث كانت فئة العكفة تمثل أداة قمع للإمامة ضد القبائل والمجتمع اليمني.
انتشار اللباس في تعز
في السنوات الأخيرة، شهدت تعز تحولًا ثقافيًا لافتًا، حيث أصبح لباس العكفة يظهر بشكل متزايد في المناسبات الاجتماعية، خاصة في حفلات الزفاف، وقد أصبح هذا اللباس يُعتبر "زيًا رسميًا" للعريس في العديد من أعراس المدينة، هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة عوامل سياسية وثقافية، منها تأثير الجماعات التي تسعى لإحياء الرموز الإمامية في المجتمع اليمني تحت غطاء "التقاليد".
اللباس الرسمي للعريس التعزي: الهوية في خطر
تاريخيًا، كان اللباس التقليدي للعريس التعزي يتألف من الدسمال، الشميز، المعوز، والكمر التعزي الذي يزين الخصر، هذا اللباس يُعبّر عن هوية تعز الثقافية والاجتماعية، ويُعتبر انعكاسًا للروح المدنية والانتماء الوطني، لكن التحول إلى لباس العكفة يُشكل تهديدًا لهذه الهوية، حيث يُروج لثقافة دخيلة تتناقض مع قيم تعز وتاريخها.
موقف الجهات الثقافية في تعز
رغم الانتشار المتزايد للباس العكفة في المدينة، فإن مكتب الثقافة في تعز لم يتخذ موقفًا واضحًا إزاء هذه الظاهرة، غياب الخطاب الثقافي الذي يُعزز الهوية الوطنية في مواجهة محاولات طمسها يُثير تساؤلات حول دور المؤسسات الثقافية في حماية موروث تعز من الاختراقات الثقافية والسياسية،
يتساءل العديد من أبناء تعز: أين دور الثقافة في تعزيز الوعي بمخاطر هذا التغير؟ ولماذا لا تُطلق حملات توعوية أو فعاليات تُعيد إحياء اللباس التعزي التقليدي؟
مخاطر هذا التحول
الانتشار المتزايد للباس العكفة في تعز لا يُعتبر مجرد ظاهرة ثقافية عابرة، بل يحمل في طياته مخاطر كبيرة، منها:
1. تعزيز الفكر الطائفي: يُروج لباس العكفة لرمزية مرتبطة بالجماعات التي تُحاول إعادة إحياء فكرة الحكم السلالي والطائفي في اليمن.
2. طمس الهوية المحلية: يؤدي استبدال اللباس التقليدي بتقاليد دخيلة إلى إضعاف الهوية الثقافية لتعز وتشويه موروثها.
3. التحريض على الانقسام: يُمكن أن يُستخدم هذا اللباس كأداة لتحريض المجتمع ضد بعضه البعض تحت شعارات دينية أو سياسية.
دعوة لحماية الهوية التعزية
لحماية هوية تعز الثقافية والاجتماعية، من الضروري اتخاذ خطوات عاجلة، منها:
إطلاق حملات توعوية: يجب أن تُنظم فعاليات تُبرز أهمية الحفاظ على اللباس التقليدي للعريس التعزي، وتُشجع الشباب على التمسك بموروثهم.
موقف واضح من الجهات الثقافية: يتعين على مكتب الثقافة في تعز والمؤسسات المعنية إصدار بيانات ومواقف تُدين هذه الظاهرة، وتدعو إلى التمسك بالهوية التعزية.
إعادة إحياء التراث: يُمكن تنظيم مهرجانات تُظهر جماليات اللباس التعزي التقليدي، وتشجع المصممين المحليين على إعادة إنتاجه بأسلوب معاصر.
إن انتشار لباس العكفة في تعز يُمثل تحديًا كبيرًا للهوية الوطنية، خاصة في ظل محاولات الجماعات السلالية لإعادة إنتاج رموز الإمامة في المجتمع.
تعز، التي لطالما كانت رمزًا للمقاومة والحرية، لا يمكن أن تسمح بعودة رموز القمع والطغيان إلى حياتها الثقافية، وعلى المجتمع والمؤسسات الثقافية في المدينة أن تتكاتف لمواجهة هذا التحدي، واستعادة روح تعز التي لطالما أضاءت دروب اليمنيين نحو الحرية والكرامة.