صدى الساحل - تقرير: حسين الشدادي
على مدى السنوات العشر الماضية، تعرضت اليمن لأسوأ أزمة إنسانية في تاريخها الحديث.
بدأت الحرب الأهلية في عام 2014 بعد سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء، مما أدى إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي والسياسي في البلاد.
حُرِمَ الملايين من المواطنين من حقوقهم الأساسية، وشهد اليمن تدهوراً غير مسبوق في مستوى المعيشة، الأمن، والبنية التحتية.
ونتيجة لذلك، تراجع مؤشر الأمن البشري بشكل حاد، مما جعل الحياة اليومية لليمنيين محفوفة بالخطر والحرمان.
*مفهوم الأمن البشري وانعكاسه على الأزمة اليمنية*
يشير مفهوم "الأمن البشري" الذي وضعته الأمم المتحدة إلى ضرورة توفير بيئة يتمتع فيها الأفراد بكرامتهم وبحماية من التهديدات المزمنة، مع تمكينهم من مواجهة الاضطرابات المفاجئة في حياتهم اليومية.
لكن اليمن، نتيجة للحرب المستمرة، شهد تدهورًا خطيرًا في هذا المجال.
انعدام الأمن الشخصي، ارتفاع معدلات العنف، انتشار الفقر، وانهيار الخدمات الأساسية هي سمات تهيمن على المشهد العام في البلاد اليوم.
*الأوضاع الإنسانية: صراع دائم وفجوة متزايدة في حقوق الإنسان*
وفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يعاني أكثر من 80% من السكان في اليمن من الحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
ويعاني أكثر من 17 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي، بينما يُعتبر حوالي 2.2 مليون طفل تحت سن الخامسة مهددين بسوء التغذية الحاد.
هذه الأرقام تسلط الضوء على مدى الأزمة الإنسانية التي تسببها الحرب.
الأمم المتحدة صنفت اليمن كواحدة من أكثر الدول تدهورًا في مجال حقوق الإنسان.
عمليات القتل العشوائي، الاختفاء القسري، والتعذيب هي ممارسات موثقة تقوم بها العديد من أطراف الصراع، وعلى رأسها مليشيات الحوثي.
أسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، وتدمير البنية التحتية، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الخدمات الأساسية، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم.
*تدهور سبل العيش: تأثير الصراع على الحياة اليومية*
الحرب المستمرة في اليمن أفضت إلى انهيار شبه كامل للاقتصاد، حيث أدت إلى إغلاق العديد من الشركات والمصانع، وتراجع الدخل القومي، وزيادة معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
تعطل سلاسل الإمداد نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات الحوثي على بعض المدن الكبرى مثل تعز، أدى إلى نقص في المواد الغذائية والدوائية، مما فاقم من أزمة الجوع والفقر.
وفقا لتقارير البنك الدولي، تعاني اليمن من تضخم مرتفع يتجاوز 30% سنوياً، ما يعني أن القوة الشرائية للعملة المحلية تدهورت بشكل كبير، في حين انخفضت فرص العمل نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي.
*العنف والقتل الممنهج للمدنيين*
من بين أخطر نتائج الصراع المستمر هو العنف الممنهج ضد المدنيين، لا سيما في الحواضر الكبرى التي تتعرض لقصف مستمر من جانب الميليشيات.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 4 ملايين شخص قد فروا من ديارهم بسبب العنف، بينما قُتل أو جُرح الآلاف في هجمات استهدفت المناطق السكنية.
الهجمات العشوائية التي تشنها الأطراف المتصارعة، وبخاصة الحوثيون، على المدن المكتظة بالسكان أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح، كما خلفت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية.
*الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان*
تشير التقارير الصحفية والحقوقية إلى أن أطراف النزاع، وخاصة مليشيات الحوثي، أرتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.
ذكرت تقارير صادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن الحوثيين أقاموا شبكة من السجون السرية حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والمعاملة القاسية.
ومن بين الانتهاكات البارزة أيضاً تجنيد الأطفال.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الحوثيين جنّدوا آلاف الأطفال في صفوفهم، مما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل، فضلاً عن تأثيره الكارثي على مستقبل هؤلاء الأطفال.
*غياب العدالة والإفلات من العقاب*
إحدى السمات الرئيسية للصراع في اليمن هي غياب العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة.
يعتمد الحوثيون وأطراف الصراع الأخرى على إفلاتهم من العقاب في ارتكاب انتهاكات جسيمة.
لا توجد آليات فعالة لضمان محاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، سواء من القوات الحوثية أو غيرها من الجماعات المسلحة، مما يزيد من تعقيد الصراع ويؤدي إلى تدهور الأمن الشخصي للمدنيين.
*التداعيات السياسية والاقتصادية للصراع*
أدى النزاع الطويل في اليمن إلى انهيار مؤسسات الدولة بشكل شبه كامل.
الحكومة اليمنية الشرعية غير قادرة على بسط سيطرتها على كافة أراضي البلاد، في حين يسيطر الحوثيون على معظم المناطق الشمالية.
هذا الوضع أدى إلى خلق فراغ سياسي يصعب معه التوصل إلى أي حلول سياسية شاملة للصراع.
يشير البنك الدولي إلى أن الاقتصاد اليمني تراجع بأكثر من 50% منذ بداية الصراع.
انهيار القطاع الخاص، تعطل النشاط الزراعي، وانخفاض الإنتاج الصناعي ساهم في زيادة البطالة وارتفاع معدلات الفقر.
كما تسبب انهيار العملة المحلية في زيادة حدة التضخم، مما جعل الحياة اليومية لليمنيين أصعب بكثير.
*التقارير الدولية والنداءات الإنسانية*
تُصنف اليمن اليوم كواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
تشير تقارير مكتب التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة إلى أن الحرب في اليمن أدت إلى تراجع التنمية البشرية بمقدار 20 عامًا. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يقدر أن اليمن بحاجة إلى تمويل عاجل بقيمة تتجاوز 4 مليارات دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
تطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة التوصل إلى إجراء محادثات سلام شاملة، إلى جانب ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة.