صدى الساحل - تقرير: حسين الشدادي
تُقام سنويًا في منطقة يفرس بمحافظة تعز فعالية دينية صوفية مميزة تُعرف بـ"حولية الشيخ صفي الدين أحمد بن علوان"، التي تحتفي بذكرى هذا العالم الصوفي الجليل.
وتستقطب الحولية مئات المشاركين من كافة أنحاء اليمن، الذين يأتون إلى الجامع العلواني لإحياء ليالٍ من الذكر والأدعية. يُعتبر هذا الحدث الروحي استمرارية لإرث طويل من التصوف اليمني العريق، والذي يُجسّد قيم المحبة والسلام.
الحولية: حدث صوفي بامتياز
الحولية ليست مجرد احتفال ديني، بل هي تجمع يفيض بالروحانية والمحبة لله ورسوله ﷺ. تتضمن الفعالية مسيرة تقليدية يقوم خلالها المشاركون بالمشي لمسافات طويلة، يرددون الأذكار والصلوات، ما يُضفي أجواء إيمانية مميزة.
داخل الجامع العلواني، يُقام تكية غداء مفتوحة للضيوف الذين يصلون من مختلف المحافظات، بالإضافة إلى ليالٍ عامرة بالموالد التي تُحيي المدائح النبوية والذكر الجماعي.
التصوف والصوفية في اليمن
الصوفية في اليمن ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء أصيل من الهوية الثقافية والدينية.
يُعد الشيخ أحمد بن علوان من أبرز رموز التصوف في اليمن، وهو الذي جسّد تعاليم المحبة والتسامح.
ورغم المحاولات المتكررة لتشويه هذه الفعاليات، تستمر الحولية ك رمز للصمود في وجه الفكر الإقصائي.
الجدل الفقهي: السلفيون في مواجهة الصوفية
على مر السنين، واجهت الحولية انتقادات حادة من الجماعات السلفية التي تُصر على تصنيفها كبدعة محدثة في الدين.
ويرى السلفيون أن أي تجمع ديني لم يُمارسه النبي ﷺ وأصحابه يُعد خروجًا عن السنة.
ويستشهدون بفتاوى علماء أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي وصف هذه الاحتفالات بأنها "من البدع المحدثة".
ردود الصوفية وحججهم الشرعية
على الجانب الآخر، يرفض الصوفيون هذه الانتقادات، مؤكدين أن الحولية لا تحتوي على أي ممارسات محرمة.
ويشيرون إلى أن ما يُقام خلالها هو ذكر الله، والمدائح النبوية، والأدعية المأثورة، وهي أمور مشروعة في الإسلام.
من الحجج الأساسية التي يوردها الصوفيون:
1. الذكر الجماعي مشروع: الاجتماع على ذكر الله له أصل في السنة النبوية، كما جاء في الحديث الشريف: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم."
2. لا مخالفة شرعية: لا يُمارس المشاركون في الحولية أي ممارسات تُخالف الشريعة، بل يركزون على إحياء القيم الروحية والأخلاقية.
3. تعزيز المحبة والارتباط بالرموز الدينية: مثل هذه المناسبات تُقرب الناس من الرموز الدينية التي تمثل الإسلام الوسطي.
التصوف في مواجهة الفكر الإقصائي
من الواضح أن التصوف، بما يحمله من قيم التسامح والاعتدال، يُمثل تحديًا للفكر الإقصائي الذي يسعى لتضييق الخناق على التنوع داخل الإسلام.
الحوليات الصوفية، كحولية الشيخ أحمد بن علوان، ليست مجرد احتفالات دينية، بل هي رسالة محبة وسلام تقف في وجه دعوات التشدد.
دعوة للوحدة والتفاهم
في ظل تصاعد الجدل بين التيارات الدينية المختلفة، يبقى الحوار المفتوح هو السبيل الأمثل لتقريب وجهات النظر. الفعاليات الصوفية، كباقي التجمعات الدينية، تُعبر عن تنوع الأمة الإسلامية وثرائها الروحي. إن احترام الاختلافات وتقدير الجوانب الروحية والثقافية هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع متماسك يرفض الانقسام.
وتُعد حولية الشيخ أحمد بن علوان تجسيدًا حيًا لتاريخ التصوف اليمني، الذي يتحدى عقودًا من المحاولات لتهميشه.
وبينما تستمر الحولية في استقطاب المزيد من المحبين، يظل السؤال مفتوحًا: متى يمكننا تجاوز الخلافات الفقهية لتعزيز القيم المشتركة التي تُوحد الأمة؟