وكالات

الجمعة - 11 أبريل 2025 - الساعة 10:12 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - متابعات




تواجه إيران أزمة وجودية في استراتيجية ردعها التقليدية، بعد انهيار أركانها الأربعة تحت ضربات متتالية من إسرائيل والولايات المتحدة.

ويعكس فشل استراتيجية الردع الإيراني تراجعاً غير مسبوق في قدرات البلاد على حماية نفسها وحلفائها، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية وعسكرية تعيد رسم موازين القوى.

اعتمدت إيران لعقود على أربعة محاور رئيسية لبناء استراتيجية ردع تواجه بها التهديدات الخارجية، خاصة من إسرائيل والولايات المتحدة.

أول هذه المحاور كان الترسانة الصاروخية في الحرس الثوري، والتي تضم آلاف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

واستُخدمت هذه الأسلحة في عمليات انتقامية بارزة، مثل الضربات التي أعقبت اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2020.

لكن هذا الركن بدأ يهتز مع تطور أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي نجحت في اعتراض الغالبية العظمى من الصواريخ الإيرانية خلال هجومي “الوعد الحقيقى” في أبريل/ نيسان 2024، مما كشف عن محدودية الفاعلية العسكرية لهذه الترسانة.

المحور الثاني تمثل في شبكة الجماعات الوكيلة المنتشرة من لبنان إلى اليمن، والتي اعتُبرت امتداداً للنفوذ الإيراني. وكان حزب الله اللبناني – بترسانته المقدرة بـ150 ألف صاروخ – جوهرة هذه الشبكة، حيث شكل تهديداً وجودياً لإسرائيل عبر عقود.

لكن الضربات الإسرائيلية المكثفة خلال العامين الماضيين، والتي استهدفت قيادات الحزب ومخازن الأسلحة، قلصت قوته العسكرية بنسبة 70 في المائة، وفق تقديرات إسرائيلية.

كما فشلت جماعات أخرى مثل الحوثيين في اليمن في تحقيق اختراقات استراتيجية، حيث لم تؤثر هجماتهم على الملاحة البحرية بشكل جوهري على الاقتصاد الإسرائيلي أو العالمي.

أما المحور الثالث، فتمحور حول العمليات السرية التي نفذتها أجهزة مخابرات إيرانية بالتعاون مع حزب الله، بدءا من تفجير سفارة إسرائيل في الأرجنتين عام 1994 إلى محاولات اغتيال شخصيات معارضة في أوروبا، وفق التقرير ذاته.

وسعت طهران عبر هذه العمليات إلى زرع الخوف وكسب نقاط ضغط. لكن العقود الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في فاعلية هذه الأساليب، بسبب تحسن القدرات الاستخباراتية الغربية، وتزايد التكلفة السياسية لمثل هذه العمليات.

شكل عام 2024 نقطة تحول كارثية للاستراتيجية الإيرانية، حيث كشفت الضربات الإسرائيلية المتكررة عن هشاشة غير متوقعة. ففي أبريل/ نيسان 2024، أطلقت إيران عملية “الوعد الحقيقي” كردّ على اغتيال قائد عسكري إيراني في سوريا، مستخدمةً مزيجاً من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

لكن الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية – بدعم أمريكي وأوروبي – اعترضت أكثر من 95 في المائة من الأهداف، مما أظهر فجوة تكنولوجية كبيرة.

وحتى الرد الإيراني اللاحق، المسمى “الوعد الحق 2″، والذي اعتمد على صواريخ متطورة، لم يُسفر سوى عن أضرار محدودة، مع وفاة فلسطيني واحد في الضفة الغربية.

وتفاقمت الأزمة مع انهيار شبكة الوكلاء. فبعد عقود من الاستثمار في حزب الله، وجدت إيران نفسها أمام مليشيات منهكة، بعد أن دمرت إسرائيل بنيتها التحتية العسكرية في لبنان، واغتالت قياداتها العليا، بما في ذلك خليفة حسن نصر الله المحتمل.
الأسوأ أن سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا – وهو حليف إستراتيجي لإيران – جعل إعادة إمداد الحزب بالأسلحة مهمة شبه مستحيلة. أما الحوثيون في اليمن، فظل تأثيرهم هامشياً، حيث فشلت هجماتهم على السفن التجارية في تحقيق أي اختراق استراتيجي، بل عززت التحالفات الدولية ضدهم.

في مواجهة هذا الانهيار المتسارع، بدأت إيران تُظهر إشارات متزايدة نحو تسريع برنامجها النووي كخيار وحيد لاستعادة الردع المفقود. فبرغم التقدم الكبير في تخصيب اليورانيوم – حيث وصلت إلى مستوى 60 في المائة، وهو أعلى بكثير من حاجة المفاعلات المدنية – تبقى العقبات التقنية والسياسية صعبة ومعقدة، وفق التقرير ذاته.
من الناحية الداخلية، تواجه طهران انقساماً بين جناحين: الأول يرى في السلاح النووي ضمانة للبقاء، خاصة بعد تجربة كوريا الشمالية، والثاني يخشى أن يؤدي التسلح إلى تدمير النظام نفسه عبر ضربات عسكرية دولية.

وعلى الصعيد الدولي، يُعتقد أن امتلاك إيران للقنبلة النووية قد يدفع دولاً أخرى إلى السعي للحصول على أسلحة مماثلة، مما يُفاقم عدم الاستقرار الإقليمي.
كما أن ردود الفعل الغربية قد تشمل فرض عقوبات غير مسبوقة، أو حتى ضربات استباقية، خاصة مع تصريحات إسرائيلية متكررة بأنها “لن تسمح لإيران بأن تصبح نووية”.